روضة المحبين ونزهة المشتاقين

روضة المحبين ونزهة المشتاقين

5074 8

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (23)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير- محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 649
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

مشاركة

فهرس الموضوعات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فهذا كتاب «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» للإمام ابن قيم الجوزية، نقدِّمه إلى القراء في طبعة جديدة بالاعتماد على أقدم نسخة خطية وصلت إلينا منه، وتصحيح كثير من الأخطاء الواردة في طبعاته المختلفة. وقد بذلنا جهدًا كبيرًا في مراجعة النصوص والأخبار والأشعار الواردة فيه، وتخريجها من المصادر التي نقل عنها المؤلف، وضبط الشعر وإصلاح الخلل الواقع فيه، وتقويم النصّ في ضوء ما توفَّر لدينا من المراجع.
وهذا الكتاب ـ كما سيأتي ـ أفضل الكتب التي ألِّفت في موضوع الحبِّ، أورد فيه المؤلف من الفوائد العلمية والتنبيهات والنكت والمناقشات ما لا نجده في كتاب آخر في هذا الباب، وانتقى فيه الأخبار والأشعار، ونزّهه عن الفحش والمجون وما يُخِلّ بالآداب الإسلامية، وإذا ورد شيء من ذلك فهو نادر.
وهذه فصول أقدِّمها بين يدي الكتاب ليكون القراء على دراية بالكتاب ومنهج مؤلفه، أتحدث فيها عما يخصّ الكتاب من نواحٍ مختلفة.

الصفحة

5/ 35

فصل ومن أقوى أسباب السكر الموجبة له: سماعُ الأصوات المطربة من جهتين: مِنْ جهة: أنَّها في نفسها تُوجب لذَّةً قويةً، ينغمر معها العقل، ومن جهة: أنَّها تُحرِّك النفسَ إلى نحو محبوبها كائنًا ما كان، فيحصُل بتلك الحركة والشوقِ والطلبِ، مع التخيُّل للمحبوب، وإدناءِ صورته إلى القلب واستيلائها على الفكرة لذَّةٌ عظيمةٌ تقهرُ العقل، فتجتمع لذَّةُ الألحان ولذَّة الأشجان، ولهذا يَقْرِنُ المعتنون بهذه اللذَّات سماعَ الألحان بالشراب كثيرًا؛ ليكمل لهم السُّكْر بالشراب، والعشقِ، والصوتِ المُطْرِبِ، فيجدون من لذَّة الوِصال، وسكرِه في هذه الحال ما لا يجدونه بدونها.

فالخمرُ شرابُ الأجسام، والعشق شراب النفوس، والألحانُ شراب الأرواح، ولاسيَّما إذا اقترن بها من الأقوال ما فيه ذكر المحبوب، ووصفُ حال المُحِبِّ على مقتضى الحال التي هو فيها، فيجتمع سماعُ الأصوات الطيِّبة، وإدراكُ المعاني [58 ب] المناسبة، وذلك أقوى بكثيرٍ من اللَّذَّة الحاصلة بكل واحد منها على انفراده، فتستولي اللَّذَّة على النَّفس، والرُّوح، والبدن أتمَّ استيلاء، فيحدث غايةُ السُّكْر. فكيف يدَّعي العذر من تعاطى هذه الأسباب، ويقول: إنَّ ما تولَّد عنها اضطراريٌّ غيرُ اختياريٍّ، وبالله التوفيق (1).

الصفحة

232/ 649

مرحبًا بك !
مرحبا بك !