«الناسُ أحوجُ إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأنَّ الطعامَ والشرابَ يُحتاجُ إليه في اليوم مرةً أو مرتين، والعلمُ يُحتاجُ إليه في كلِّ وقت» (1).

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
الإيمانُ أو حُكْمُه في نَفَسٍ من أنفاسه فقد عَطِبَ وقَرُبَ هلاكُه، وليس إلى حصول ذلك سبيلٌ إلا بالعلم؛ فالحاجةُ إليه فوق الحاجة إلى الطَّعام والشراب.
وقد ذكر الإمامُ أحمد هذا المعنى بعينه، فقال:
«الناسُ أحوجُ إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأنَّ الطعامَ والشرابَ يُحتاجُ إليه في اليوم مرةً أو مرتين، والعلمُ يُحتاجُ إليه في كلِّ وقت» (1).
الوجه الثاني والسبعون: أنَّ صاحبَ العلم أقلُّ تعبًا وعملًا، وأكثرُ أجرًا.
واعتبِرْ هذا بالشاهد؛ فإنَّ الصُّنَّاعَ والأُجَراء يُعانونَ الأعمالَ الشاقَّةَ بأنفسهم، والأستاذُ المعلِّمُ يجلسُ يأمرُهم وينهاهُم ويُرِيهم كيفيَّة العمل، ويأخذُ أضعافَ ما يأخذونه.
وقد أشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى حيث قال:
«أفضلُ الأعمال إيمانٌ بالله، ثمَّ الجهاد» (2).
فالجهادُ فيه بذلُ النفس وغايةُ المشقَّة، والإيمانُ علمُ القلب وعملُه وتصديقُه، وهو أفضلُ الأعمال، مع أنَّ مشقَّةَ الجهاد فوق مشقَّته بأضعافٍ مضاعفة، وهذا لأنَّ العلمَ يُعَرِّفُ مقاديرَ الأعمال ومراتبها، وفاضلَها من مفضولها، وراجحَها من مرجوحها، فصاحبُه لا يختارُ لنفسه إلا أفضلَ
الأعمال، والعاملُ بلا علمٍ يظنُّ أنَّ الفضيلةَ في كثرة المشقة، فهو يتحمَّلُ المشاقَّ وإن كان ما يعانيه مفضولًا، ورُبَّ عملٍ فاضلٍ والمفضولُ أكثرُ مشقةً منه.