
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وانظر سعة اطلاعه حين يقول في معرض رده على احتجاج الرازي لصناعة
التنجيم: "ومن العجب قوله [أي: الرازي]: لو كان هذا العلم فاسدًا لاستحال إطباق أهل المشرق والمغرب من أول بناء العالم إلى آخره عليه! وليس في الفرية أبلغ من هذا ولا في البهتان، أترى هذا الرجل ما وقف على تأليفٍ لأحدٍ من أهل المشرق والمغرب في إبطال هذا العلم والردِّ على أهله؟! فقد رأينا نحن وغيرنا ما يزيد على مئة مصنفٍ في الردِّ على أهله وإبطال أقوالهم، وهذه كتبهم بأيدي الناس، وكثيرٌ منها للفلاسفة الذين يعظِّمهم هؤلاء ويرون أنهم خلاصة العالم، كالفارابي وابن سينا وأبي البركات الأوحد وغيرهم، وقد حكينا كلامهم، وأما الردود في ضمن الكتب حين يُرَدُّ على أهل المقالات فأكثر من أن تذكر، ولعلها أن تزيد على عدَّة الألف، تجد في كل كتابٍ منها الردَّ على هؤلاء وإبطال مذهبهم ... " (1).
ومن شواهد سعة اطلاعه: أنه قرَّر شبهةً وردت في "المختصر" لابن الحاجب, ثم قال: "هذا وجه تقرير هذه الشبهة, وإن كان كثيرٌ من شرَّاح المختصر لم يفهموا تقريرها على هذا الوجه ... " (2).
وموارده في هذا الكتاب على أقسام أربعة: القسم الأول: ما صرَّح فيه باسم الكتاب ومصنفه.
وهاهي مرتبةً على حروف المعجم: - "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم, صرَّح باسم الكتاب في
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي سَهَّل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلا، وأوضحَ لهم طريقَ الهداية وجعل اتباعَ الرسول عليها دليلا، واتَّخذهم عبيدًا (1) له فأقرُّوا له بالعبودية ولم يتَّخذوا من دونه وكيلا، وكتَب في قلوبهم الإيمانَ وأيَّدهم برُوحٍ منه، لمَّا رضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولا.
والحمدُ لله الذي أقام في أزمنة الفَتَرات من يكونُ ببيان سُنن المرسلين كفيلا، واختصَّ هذه الأمةَ بأنه لا تزالُ فيها طائفةٌ على الحقِّ لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمرُه ولو اجتَمع الثقلان على حربهم قَبِيلا.
يَدْعُون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصِّرون بنور الله أهلَ العمى، ويُحْيُون بكتابه الموتى؛ فهم أحسنُ الناس هديًا وأقومُهم قِيلا.
فكم مِنْ قتيلٍ لإبليس قد أحْيَوْه، ومِنْ ضالٍّ جاهلٍ لا يعلمُ طريقَ رُشْدِه قد هَدَوْه، ومِنْ مبتدعٍ في دين الله بشُهب الحقِّ قد رَمَوْه؛ جهادًا في الله، وابتغاءَ مرضاته، وبيانًا لحُجَجه على العالمين وبيِّناته، وطلبًا للزلفى لديه ونَيل رضوانه وجناته، فحارَبوا (2) في الله من خرج عن دينه القويم، وصراطه المستقيم، الذين عَقَدوا ألويةَ البدعة، وأطلقوا أعِنَّةَ الفتنة، وخالفوا الكتاب،