{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
قدمُه، فعارَض وأعرض ورجع على حافِرَته (1)، وشَكَّ في النُّبوَّة، وخالَط قلبَه شبهةُ الكفَّار الذين قالوا: إن كانت القبلةُ الأولى حقًّا فقد خرجتم عن الحقِّ، وإن كانت باطلًا فقد كنتم على باطل، وضاق عقلُه المنكوسُ عن القسم الثَّالث الحقِّ وهو أنها كانت حقًّا ومصلحةً في الوقت الأوَّل، ثمَّ صارت مفسدةً باطلةَ الاستقبالِ في الوقت الثَّاني.
ولهذا أخبر سبحانه عن عِظَم شأن هذا التَّحويل والنَّسخ في القبلة، فقال:
{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].
ثمَّ أخبر أنه سبحانه لم يكن يُضِيعُ ما تقدَّم لهم من الصَّلوات إلى القبلة الأولى، وأنَّ رأفتَه ورحمته بهم تأبى إضاعةَ ذلك عليهم وقد كان طاعةً لهم.
فلما قرَّر سبحانه ذلك كلَّه وبيَّن حُسْنَ هذه الجهة بعظمة البيت وعُلوِّ شأنه وجلالته، قال:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]
، وأكَّد ذلك عليهم مرَّةً بعد مرَّة، اعتناءً بهذا الشأن، وتفخيمًا له، وأنه شأنٌ ينبغي الاعتناءُ به، والاحتفالُ بأمره.
فتدبَّر هذا الاعتناءَ وهذا التقريرَ وبيانَ المصالح النَّاشئة من هذا الفرع من فروع الشريعة، وبيانَ المفاسد النَّاشئة من خلافه، وأنَّ كلَّ جهةٍ فهي في وقتها كان استقبالها هو المصلحة، وأنَّ للربِّ تعالى الحكمة البالغة في شَرْع القبلة الأولى وتحويل عبادِه عنها إلى المسجد الحرام.