أن قد عَلِمْتَ أني وعدتُ أباك إبراهيم لما أمرتُه بذبح ولده فبادَر إلى طاعة أمري أن أُبارِك له في ذريَّته حتى يصيروا في عدد النُّجوم، وأجعلهم بحيث لا يحصى عددُهم، وقد أردتَ أنت أن تحصي عددًا قدَّرتُ أنه لا يحصى (1) ...

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
عددُهم، فمكثوا مدَّةً لا يقدرون على ذلك، فأوحى الله إلى داود:
أن قد عَلِمْتَ أني وعدتُ أباك إبراهيم لما أمرتُه بذبح ولده فبادَر إلى طاعة أمري أن أُبارِك له في ذريَّته حتى يصيروا في عدد النُّجوم، وأجعلهم بحيث لا يحصى عددُهم، وقد أردتَ أنت أن تحصي عددًا قدَّرتُ أنه لا يحصى (1) ...
وذكر باقي الحديث (2).
فجَعَل مِنْ نسله هاتين الأمَّتين العظيمتين الذين (3) لا يحصي عددَهم إلا الله خالقُهم ورازقُهم، وهم بنو إسرائيل وبنو إسماعيل، هذا سوى ما أكرمه الله به مِنْ رفع الذِّكر والثَّناء الجميل على ألسنة جميع الأمم وفي السَّموات بين الملائكة.
فهذا من بعض ثمرة معاملته، فتبًّا لمن عَرَفه ثمَّ عامل غيره، ما أخسرَ صفقتَه وما أعظمَ حسرتَه! فصل ثمَّ تأمَّل حال الكليم موسى عليه السَّلام وما آلت إليه محنتُه وفُتُونُه (4) من أوَّل ولادته إلى منتهى أمره، حتى كلَّمه الله منه إليه تكليمًا، وكتب له التَّوراة بيده، ورفَعه إلى أعلى السَّموات، واحتَمل له ما لا يَحْتمِلُ لغيره، فإنه رمى الألواحَ على الأرض حتى تكسَّرت، وأخذ بلحية نبيِّ الله هارون وجرَّه