{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}
، وامتَحَن هاروتَ وماروتَ بما امتحنهما به، جَعَلت الملائكةُ بعد ذلك تستغفرُ لبني آدم وتدعو الله لهم» (1).
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}
، وامتَحَن هاروتَ وماروتَ بما امتحنهما به، جَعَلت الملائكةُ بعد ذلك تستغفرُ لبني آدم وتدعو الله لهم» (1).
فصل ومنها: أنه إذا شَهِد نفسَه مع ربِّه مسيئًا خاطئًا مفرِّطًا (2)، مع فَرْطِ إحسان الله إليه في كلِّ طرفة عين، وبرِّه به، ودَفْعِه عنه، وشدَّة حاجته إلى ربِّه، وعدم استغنائه عنه نَفَسًا واحدًا، وهذه حالُه معه= فكيف يطمعُ أن يكون النَّاسُ معه كما يحبُّ، وأن يعاملوه بمحض الإحسان وهو لم يعامل ربَّه بتلك المعاملة؟! وكيف يطمعُ أن يطيعه مملوكُه وولدُه وزوجتُه في كلِّ ما يريد، ولا يعصونه (3) ولا يخلُّون بحقوقه، وهو مع ربِّه ليس كذلك؟! وهذا يوجبُ له أن يستغفر لمسيئهم، ويعفو عنه، ويسامحه، ويُغْضِي عن الاستقصاء في طلب حقِّه.
فهذه الآثارُ ونحوُها متى اجتناها العبدُ من الذَّنب فهي علامةُ كونه رحمةً في حقِّه، ومتى اجتنى منه (4) أضدادَها وأوجبت له خلافَ ما ذكرناه فهي والله علامةُ الشَّقاوة، وأنه مِنْ هوانه على الله وسقوطه من عَيْنه خلَّى بينه وبين معاصيه؛ ليقيم عليه حجَّةَ عدله، فيعاقبه باستحقاقه.