{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
ورفعه إليها بعد خلقه في الأرض، عُلِمَ أنَّ الجنةَ التي أُدخِلَها لم تكن هي جنة الخُلد التي فوق السماوات.
قالوا: وأيضًا؛ فإنه سبحانه أخبر في كتابه أنه لم يخلق عبادَه عبثًا ولا سدًى، وأنكر على من زعم ذلك؛ فدلَّ على أنَّ هذا منافٍ للحكمة (1)، ولو كانت جنةُ آدم هي جنةَ الخُلد لكانوا قد خُلِقوا في دارٍ لا يُؤمرون فيها ولا
يُنْهَون، وهذا باطلٌ بقوله:
{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]
، قال الشافعيُّ وغيره: معطَّلًا لا يؤمرُ ولا يُنهى (2)، وقال: {
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115]
، فهو تعالى لم يخلقهم عبثًا، ولا تركهم سدًى، وجنةُ الخُلد لا تكليف فيها.
قالوا: وأيضًا؛ فإنه خلقها جزاءً للعاملين، بقوله تعالى
: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت: 58]
، وجزاءً للمتقين، بقوله:
{وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30]
، ودارَ الثواب، بقوله:
{ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 195]
، فلم يكن لِيُسْكِنَها إلا مَن خلقَها لهم من العاملين، ومن المتقين، ومَن تَبِعَهم من ذرِّياتهم، وغيرهم من الحُور والولدان.
وبالجملة؛ فحكمتُه تعالى اقتضت أنها لا تُنالُ إلا بعد الابتلاء والامتحان، والصَّبر والجهاد، وأنواع الطَّاعات، وإذا كان هذا مقتضى حكمته فإنه سبحانه لا يفعلُ إلا ما هو مطابقٌ لها.