{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
لهذا النعيم والعذاب العاجل إليه إلا كما يُدْخِلُ الرجلُ إصبعَه في اليمِّ ثمَّ ينزعُها، فالذي يَعْلَق بها منه هو كالدنيا بالنسبة إلى الآخرة؛ فيثمرُ له هذا العلمُ إيثارَ الآخرة وطلبها، والاستعدادَ التامَّ لها، وأن يسعى لها سعيها.
وهذا يسمَّى: تفكُّرًا، وتذكُّرًا، ونظرًا، وتأمُّلًا، واعتبارًا، وتدبُّرًا، واستبصارًا.
وهذه معانٍ متقاربةٌ تجتمعُ في شيءٍ وتفترقُ في آخر.
* فيسمَّى: تفكُّرًا؛ لأنه استعمالُ الفكرة (1) في ذلك وإحضارُه (2) عنده.
* ويسمَّى: تذكُّرًا؛ لأنه إحضارٌ للعلم الذي يجبُ مراعاتُه بعد ذهوله وغيبته عنه، ومنه قولُه تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
* ويسمَّى: نظرًا؛ لأنه التفاتٌ بالقلب إلى المنظور فيه.
* ويسمَّى: تأمُّلًا؛ لأنه مراجعةٌ للنظر (3) كرَّةً بعد كرَّة، حتى يتجلى له وينكشفَ لقلبه.
* ويسمَّى: اعتبارًا، وهو افتعالٌ من العبور؛ لأنه يَعْبُرُ منه إلى غيره، فيعبُر من ذلك الذي قد فكَّر فيه إلى معرفةٍ ثالثة، وهي المقصودُ من الاعتبار.
ولهذا يسمَّى: عِبْرة؛ وهي على بناء الحالات، كالجِلْسة والرِّكْبة والقِتْلة، إيذانًا بأنَّ هذا العلم والمعرفة قد صار حالًا لصاحبه يعبُر منه إلى المقصود به، قال الله تعالى:
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111]
،