[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
الوجه الثَّاني: أنَّ استنباطَ العقول ووضعَ الأذهان لما لا حقيقة له من باب الخيالات والتَّقديرات التي لا يترتَّبُ عليها علمٌ ولا معلوم، ولا صلاحٌ ولا
فساد؛ إذ هي خيالاتٌ مجرَّدة، وأوهامٌ مقدَّرة؛ كوضعِ الذِّهن سائرَ ما يضعُه من المقدِّرات الذِّهنيَّة.
ومعلومٌ أنَّ المعاني المستنبطة من الأحكام هي من أجلِّ العلوم، ومعلومُها من أشرف المعلومات وأنفعها للعباد، وهي منشأُ مصالحهم في معاشهم ومعادهم، وترتُّبُ آثارها عليها مشهودٌ في الخارج، معقولٌ في الفِطر، قائمٌ في المعقول، فكيف يُدَّعى أنه مجرَّدُ وضعٍ ذهنيٍّ لا حقيقة له به؟! الوجه الثَّالث: أنَّ استنباطَ الذِّهن لما يستنبطُه من المعاني، واعتقادَه أنَّ الأفعال مشتملةٌ عليها، مع كون الأمر ليس كذلك= جهلٌ مركَّب، واعتقادٌ باطل؛ فإنه إذا اعتقد أنَّ الأفعال مشتملةٌ على تلك المعاني، وأنها مَنْشَؤها، وليس كذلك؛ كان اعتقادًا للشيء بخلاف ما هو به. وهذا غايةُ الجهل.
فكيف يُدَّعى هذا في أشرف العلوم وأزكاها وأنفعها وأعظمها تضمُّنًا لمصالح العباد في المعاش والمعاد؟! وهل هو إلا لُبُّ الشريعة ومضمونُها؟! فكيف يَسُوغُ أن يُدَّعى فيها هذا الباطلُ ويُرمى بهذا البهتان؟! وبالجملة؛ فبطلانُ هذا القول أظهرُ من أن يُتَكلَّفَ ردُّه، ولم يقل هذا القولَ من شَمَّ للفقه رائحةً أصلًا.
الوجه التَّاسع والخمسون: قولكم: «لو كانت صفاتٍ نفسيَّةً للفعل لَزِمَ من ذلك أن تكون الحركةُ الواحدةُ مشتملةً على صفاتٍ متناقضةٍ وأحوالٍ متنافرة» (1).