[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
العقول، ونحن لم ندَّع ــ ولا عاقلٌ قطُّ ــ أنَّ العقلَ يستقلُّ بجميع تفاصيل ما جاءت به الشَّريعة بحيث لو تُرِك وحده لاهتدى إلى كلِّ ما جاءت به.
إذا عُرِفَ هذا، فغايةُ ما ذكرتم أنَّ الشريعةَ الكاملة اشترطت في وجوب القِصاص شروطًا لا يهتدي العقلُ إليها. وأيُّ شيءٍ يَلْزَمُ مِنْ هذا؟! وماذا يُنْتِجُ لكم (1) ومُنازِعوكم يسلِّمونه لكم؟! وقولكم: «إنَّ هذا مُعارِضٌ للوصف المقتضي لثبوت القِصاص مِنْ قيام مصلحة العالم»، إمَّا غفلةٌ عن شروط المعارَضة، وإمَّا اصطلاحٌ طارٍ سمَّيتم فيه ما لا يهتدي العقلُ إليه من شروط اقتضاء الوصف لمُوجَبه مُعارَضةً! فيالله العَجب! أيُّ مُعارَضةٍ هاهنا إذا كان العقلُ والفطرةُ قد شَهِدا بحُسْنِ القتل قِصاصًا وانتظامِه للعالَم، وتوقَّفا في اقتضاء هذا الوصف: هل يُضَمُّ إليه شرطٌ آخرُ غيرُه أم يكفي بمجرَّده، وفي تعيينِ (2) تلك الشروط؟! فأدرَك العقلُ ما استقلَّ بإدراكه، وتوقَّف عمَّا لا يستقلُّ بإدراكه حتى اهتدى إليه بنور الشريعة.
يوضِّحُ هذا: الوجه السَّابعُ والخمسون: أنَّ ما وَرَدَت به الشريعةُ في أصل القِصاص وشروطه منقسمٌ إلى قسمين: أحدهما: ما حُسْنُه معلومٌ بصريح العقل الذي لا يستريبُ فيه عاقل، وهو أصلُ القِصاص، وانتظامُ مصالح العالم به.