[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
فتأمَّل حال الطَّعام في وصوله إلى المعدة، وكيف يَسْري منها في البدن؛ فإنه إذا استقرَّ فيها اشتملت عليه وانضمَّت، فتطبخُه وتجيدُ صَنْعتَه، ثمَّ تبعثُه إلى الكبد في مجارٍ دِقاق، وقد جُعِل بين الكبد وبين تلك المجاري غشاءٌ (1) كالمِصْفاة الضيِّقة الأبخَاش (2) تصفِّيه، فلا يصلُ إلى الكبد منه شيءٌ غليظٌ خَشِنٌ فينكؤها؛ لأنَّ الكبد رقيقةٌ لا تحملُ الغليظ (3).
فإذا قَبِلتْه الكبدُ أنفَذتْه إلى البدن كلِّه في مجارٍ مهيَّأةٍ له بمنزلة المجاري المعدَّة للماء ليسلُك في الأرض فيعُمَّها بالسَّقي، ثمَّ يبعثُ ما بقي من الخَبث والفُضول إلى مغَايِض (4) ومصارف قد أُعِدَّت لها، فما كان مِنْ مِرَّةٍ صفراء بعثَت به إلى المَرارة، وما كان مِنْ مِرَّةٍ سوداء بعثَت به إلى الطُّحال، وما كان من الرُّطوبةِ المائية بعثَت به إلى المَثانة.
فمن ذا الذي تولى ذلك كلَّه وأحكمَه ودبَّره وقدَّره فأحسَن تقديرَه؟! وكأني بك أيها المسكينُ تقول: هذا كلُّه مِنْ فعل الطَّبيعة، وفي الطبيعة عجائبُ وأسرار.
فلو أراد الله أن يهديَك لسألتَ نفسك بنفسك، وقلتَ: أخبريني عن هذه