{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
الثَّالث (1): أنَّ قولكم: «يحسُن الكذبُ إذا تضمَّن عِصْمةَ نبيٍّ أو مسلم» (2)، فهذا فيه طريقان: أحدهما: لا نسلِّمُ أنه يحسُن الكذب، فضلًا عن أن يجب، بل لا يكون الكذبُ إلا قبيحًا، وأمَّا الذي يحسُن فالتَّعريض والتَّورية، كما وردت به السنَّة النَّبوية، كما عرَّض إبراهيمُ للملك الظالم بقوله: «هذه أختي» لزوجته، وكما قال: «إني سقيم» فعرَّض بأنه سقيمٌ قلبُه من شِرْكهم، أو سيسقَمُ يومًا ما، وكما فعل في قوله:
{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63]
، فإنَّ الخبرَ والطَّلبَ كلاهما معلَّق بالشَّرط، والشرطُ متصلٌ بهما، ومع هذا فسمَّاها - صلى الله عليه وسلم - ثلاثَ كذبات (3)، وامتنع بها من مقام الشَّفاعة، فكيف تصحُّ دعواكم أنَّ الكذبَ يجبُ إذا تضمَّن عصمة مسلمٍ (4) مع ذلك؟! فإن قيل: كيف سمَّاها إبراهيمُ كذباتٍ وهي توريةٌ وتعريضٌ صحيح؟! قيل: لا يلزمنا جوابُ هذا السُّؤال، إذ الغرض إبطالُ استدلالكم، وقد حَصَل، فالجوابُ عنه تبرُّعٌ منَّا وتكميلٌ للفائدة، ولم أجد في هذا المقام للنَّاس جوابًا شافيًا يسكن القلبُ إليه، وهذا السُّؤال لا يختصُّ به طائفةٌ معيَّنة، بل هو واردٌ عليكم بعينه.