
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
ثمَّ تأمَّل هذه العصافيرَ كيف تطلُب أكلَها بالنَّهار كلِّه، فلا هي تفقدُه ولا هي تجدُه مجموعًا مُعَدًّا، بل تنالُه بالحركة والطلب في الجهات والنَّواحي، فسبحان الذي قدَّره ويسَّره، كيف لم يجعله مما يتعذَّرُ عليها إذا التمسَته، ولا مما يفُوتها إذا قعدَت عنه، وجعلها قادرةً عليه في كلِّ حينٍ وأوان، وبكلِّ أرضٍ ومكان، حتى من الجدران والأسطحة والسُّقوف، تنالُه بالهُوَينا من السَّعي، فلا يشاركُها فيه غيرُ بني جنسها من الطير.
ولو كان ما تقتاتُ به يوجدُ مُعَدًّا مجموعًا كلُّه كانت الطيرُ تَشْرَكُها فيه وتغلبُها عليه (1). ولحكمة (2) أخرى بديعة؛ وذلك (3) أنها لو وجدَته مُعَدًّا مجموعًا لأكبَّت عليه بحرص الرَّغبة فلا تقلعُ (4) عنه وإن شبعَت حتى تَبْشَم وتهلك.
وكذلك الناسُ لو جُعِل طعامُهم مُعَدًّا لهم بغير سعيٍ ولا تعبٍ لأخرجهم وُجدانُهم له كذلك (5) إلى الشَّره والبِطْنة والبَرَدة (6)، ولكثُر الفسادُ وعمَّت الفواحش، ولبغَوا في الأرض.
فسبحان اللطيف الخبير الذي لم يخلق شيئًا سدًى ولا عبثًا.