[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
لفاتت مصالحُ الشتاء، ولو كان شتاءً لفاتت منافعُ الصَّيف، وكذلك لو كان ربيعًا كلُّه، أو خريفًا كلُّه.
ففي الشتاء تغُورُ الحرارةُ في الأجواف وبُطون الأرض والجبال (1)؛ فتتولَّدُ موادُّ الثِّمار وغيرُها، وتَبْرُد الظَّواهرُ ويَسْتكثِفُ الهواءُ فيه؛ فيحصلُ السَّحابُ والمطرُ والثَّلجُ والبَرَدُ الذي به حياةُ الأرض وأهلها، واشتدادُ أبدان الحيوان وقوَّتها، وتَزايُد القُوى الطَّبيعيَّة، واستخلافُ ما حلَّله حرارةُ الصَّيف من الأبدان.
وفي الرَّبيع تتحرَّكُ الطَّبائع، وتَظهرُ الموادُّ المتولِّدةُ في الشتاء؛ فيظهرُ النَّبات، ويَتنوَّرُ (2) الشَّجرُ بالزَّهر، ويتحرَّكُ الحيوانُ للتَّناسُل.
وفي الصَّيف يحتدمُ (3) الهواءُ ويسخُن جدًّا؛ فتنضجُ الثِّمار، وتَنْحَلُّ (4) فضلاتُ الأبدان والأخلاطُ التي انعقَدت في الشتاء، وتغُورُ البرودةُ وتهربُ إلى الأجواف؛ ولهذا تبرُد العيونُ والآبار، ولا تهضِمُ المعدةُ الطَّعامَ التي كانت تهضمُه في الشتاء من الأطعمة الغليظة (5)؛ لأنها كانت تهضمُها بالحرارة التي سكنَت في البطون، فلمَّا جاء الصَّيفُ خرجت الحرارةُ إلى ظاهر الجسد، وغارَت البرودةُ فيه.
فإذا جاء الخريفُ اعتدل الزَّمان، وصفا الهواءُ وبَرَد؛ فانكسَر ذلك