{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وأمَّا ذلك التقريرُ (1) الذي قرره الرازيُّ في المناظرة بينه وبين المَلِك المعطِّل؛ فمما لم يخطُر بقلب إبراهيم، ولا بقلب المشرك، ولا يدلُّ اللفظُ عليها البتَّة، وتلك المناظرةُ التي ذكرها الرازيُّ تشبه أن تكون مناظرةً بين فيلسوفٍ ومتكلِّم! فكيف يسوغُ أن يقال: إنها هي المرادةُ من كلام الله تعالى؟! فيُكْذَبَ على الله، وعلى خليله، وعلى المشرك المعطِّل! وإبراهيمُ أعلمُ بالله ووحدانيته وصفاته من أن يرضى (2) بهذه المناظرة.
ونحن نذكرُ كلامَ أئمَّة التفسير في ذلك ليُفْهَم معنى المناظرة، وما دلَّ عليه القرآنُ من تقريرها.
قال ابن جرير (3): معنى الآية: ألم تر يا محمَّد إلى الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربِّه حين قال له إبراهيم: ربِّي الذي يحيي ويميت، يعني بذلك: ربِّي الذي بيده الحياة والموت، يحيي من يشاءُ ويميتُ من أرادَ بعد الإحياء، قال: أنا أفعلُ ذلك، فأحيي وأميت، أستحيي من أردتُ قتله فلا أقتله، فيكون ذلك منِّي إحياءً له ــ وذلك عند العرب يسمَّى: إحياءً، كما قال تعالى:
{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]
ــ، وأقتلُ آخَر، فيكونُ ذلك منِّي إماتةً له. قال إبراهيمُ له: فإنَّ الله هو الذي يأتي بالشمس من مشرقها، فإن كنتَ صادقًا أنك إلهٌ فأتِ بها من مغربها. قال الله عزَّ وجل:
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}
، يعني: انقطَع وبطلَت حجَّته.