{شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وقد شربَ آدمُ من شرابها الذي سمَّاه في كتابه:
{شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]
، أي: مُطهَّرًا من جميع الآفات المذمومة، وآدمُ لم يطهَّر من تلك الآفات.
وسمَّاها الله تعالى:
{مَقْعَدِ صِدْقٍ}
، وقد كَذَبَ إبليسُ فيها آدمَ، ومقعدُ الصِّدق لا كذبَ فيه.
وعِلِّيُّون لم يكن فيها استحالةٌ قطُّ ولا تبديل، ولا يكونُ بإجماع المصلِّين، والجنةُ في أعلى عليين.
والله تعالى فإنما قال:
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}
، ولم يقل: إني جاعلٌ (1) في جنة المأوى، فقالت الملائكة:
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}
، والملائكةُ أتقى لله من أن تقول ما لا تعلم، وهم القائلون:
{لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}
، وفي هذا دلالةٌ على أنَّ الله قد كان أعلَمهم أنَّ بني آدم سيفسدون في الأرض، وإلا فكيف كانوا يقولون ما لا يعلمون، والله تعالى يقول ــ وقوله الحق ــ:
{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27]
، والملائكةُ لا تقول ولا تعمل إلا بما تؤمرُ به لا غير، قال الله تعالى:
{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50].
والله تعالى أخبرنا أنَّ إبليس قال لآدم:
{هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120]
، فإن كان الله أسكن آدمَ جنةَ الخلد والمُلكَ الذي لا يبلى، فكيف لم يردَّ عليه نصيحتَه ويكذِّبه في قوله، فيقول: وكيف تدلُّني على شيءٍ أنا فيه وقد أُعطِيتُه واحتزتُه (2)؟!