{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 36 - 37]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
وقال سبحانه:
{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 36 - 37]
، فأخبر سبحانه أنَّ ابتلاءه بقرينه (1) من الشياطين وضلاله به إنما كان بسبب إعراضه وعَشْوِه عن ذكره الذي أنزله على رسوله، فكان عقوبةُ هذا الإعراض أنْ قيَّض له شيطانًا يقارنُه، فيصدُّه عن سبيل ربِّه وطريق فلاحه، وهو يحسبُ أنه مهتدٍ، حتى إذا وافى ربَّه يوم القيامة مع قرينه، وعاينَ هلاكَه وإفلاسَه، قال:
{يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38].
وكلُّ من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكرُ الله، فلا بدَّ أن يقول هذا يوم القيامة.
فإن قيل: فهل لهذا عذرٌ في ضلاله إذا كان يحسبُ أنه على هدى، كما قال تعالى:
{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}
؟ قيل: لا عذرَ لهذا وأمثاله من الضُّلَّال الذين منشأ ضلالهم الإعراضُ عن الوحي الذي جاء به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -، ولو ظنَّ أنه مهتدٍ، فإنه مفرِّطٌ بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضلَّ فإنما أُتِيَ من تفريطه وإعراضه. وهذا بخلاف من كان ضلالُه (2) لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكمٌ آخر، والوعيدُ في القرآن إنما يتناولُ الأول، وأما الثاني فإنَّ الله لا يعذِّبُ أحدًا إلا بعد إقامة الحجَّة عليه، كما قال تعالى:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]
، وقال تعالى:
{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا