«لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق»
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (24)]
المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي- سليمان بن عبد الله العمير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1603
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة تأليف الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد
عقولَهم الضعيفة بالغُصْن الضعيف، وشبَّه الأهويةَ والآراء بالرياح، والغصنُ يميلُ مع الريح حيث مالت، وعقولُ هؤلاء تميلُ مع كلِّ هوًى وكلِّ داع، ولو كانت عقولًا كاملةً كانت كالشجرة الكبيرة التي لا تتلاعبُ بها الرياح.
وهذا بخلاف المثل الذي ضربه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين بالخَامَة من الزَّرع تُفِيئه الريحُ مرةً وتقيمُه أخرى، والمنافقُ كشجرة الأَرْزِ التي لا تُقْطَعُ حتى تَسْتَحْصِد (1)؛ فإنَّ هذا المثلَ ضُرِبَ للمؤمن وما يلقاه من عواصف البلاء والأوجاع والأوجال وغيرها، فلا يزالُ بين عافيةٍ وبلاء، ومحنةٍ ومِنْحَة، وصحةٍ وسقم، وأمنٍ وخوف، وغير ذلك، فيقعُ مرةً ويقومُ أخرى، ويميلُ تارةً ويعتدلُ أخرى، فيُكفَّى بالبلاء ويُمَحَّصُ به ويُخَلَّصُ من كَدَرِه، والكافرُ كلُّه خبثٌ ولا يصلحُ إلا للوقود، فليس في إصابته في الدنيا بأنواع البلاء من الحكمة والرحمة ما في إصابة المؤمن.
فهذه حالُ المؤمن في البلاء (2)، وأمَّا مع الأهواء ودعاة الفتن والضلال والبدع فكما قيل: تزولُ الجبالُ الراسياتُ وقلبُه ... على العهدِ لا يلوِي ولا يتَغَيَّرُ (3) * وقولُه:
«لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق»
؛ بيَّن السببَ الذي جعلهم بتلك المثابة؛ وهو أنه لم يحصُل لهم من العلم نورٌ