{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
طاوس، عن ابن عباس ــ كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهم تُجعل واحدة ــ على هذا. قلت: هذا تأويل إسحاق. وأما أبو داود فجعله منسوخًا، فقال في كتاب «السنن»: «باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث»، ثم ساق حديث ابن عباس سنن أبي داود (2197)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7/ 337)، ورواه أيضًا النسائي (3554)، كلاهما من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس به، قال الشوكاني في السيل (1/ 426): «في إسناده علي بن الحسين وفيه مقال خفيف»، وصححه الألباني في الإرواء (2080)." data-margin="1">(1) رضي الله عنهما: أن الرجل كان إذا طلّق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثًا، ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى:
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]
، ثم ذكر في أثناء الباب حديث أبي الصهباء. وكأنه اعتقد أن حكمه كان ثابتًا لمّا كان الرجل يراجع امرأته كلما طلقها. وهذا وَهمٌ، لوجهين: أحدهما: أن المنسوخ هو ثبوت الرجعة بعد الطلاق ولو بلغ ما بلغ، كما كان في أول الإسلام. الثاني: أن النسخ لا يثبت بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكونُ الثلاث واحدةً قد عُمِل به في خلافة الصديق كلها، وأول خلافة عمر رضي الله عنه. فمن المستحيل أن يُنسخ بعد ذلك. وأما ابن المنذر فقال: لم يكن ذلك عن علم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أمره.