{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230]

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (25)]
حققه: محمد عزير شمس
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1151
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا الكتاب الذي نقدِّمه إلى القراء من أعظم مؤلفات الإمام ابن القيم وأجلِّها، وهو كتاب نادر في بابه، استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عددٍ من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وقد قمت بتحقيق الكتاب بالاعتماد على مخطوطاته القديمة التي تيسَّر الحصول عليها، وأقْدَمها تلك النسخة التي كُتبت في حياة المؤلف سنة 738، وحاولت أن أستخلص نصًّا سليمًا في ضوئها كما تركه المؤلف، وصححت كثيرًا من الأخطاء والتحريفات الموجودة في الطبعات المتداولة التي صدرت بالاعتماد على طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، وإن ادَّعى أصحابها أنهم اعتمدوا على بعض النسخ الخطية. وفيما يلي دراسة عن الكتاب تحتوي على تحقيق عنوانه ونسبته إلى المؤلف، وتاريخ تأليفه، وموضوعاته ومباحثه، ومنهج المؤلف فيه، وبيان أهميته، وموارده، وأثره في الكتب اللاحقة، ووصف مخطوطاته، وطبعاته، ومنهجي في هذه الطبعة، وبالله التوفيق.
حرّمها على المطلِّق حتى تنكح زوجًا غيره، والنكاح اسم في كتاب الله وسنة رسوله للنكاح الذي يتعارفه الناس بينهم نكاحًا، وهو الذي شُرع إعلانه، والضربُ عليه بالدف، والوليمة فيه، وجُعل للإيواء والسكن، وجعله الله مودةً ورحمةً، وجرت العادةُ فيه بضِدّ ما جرت به في نكاح المحلل؛ فإن المحلل لم يدخل على نفقة، ولا كسوة، ولا سُكنى، ولا إعطاء مهر، ولا تحصيل نسب ولا صِهْر، ولا قَصْدِ المُقام مع الزوجة، وإنما دخل عاريَّةً كالتيس المستعار للضِّراب، ولهذا شبَّهه به النبي - صلى الله عليه وسلم -، [78 أ] ثم لعنه. فعُلِم قطعًا لا شك فيه أنه ليس هو الزوج المذكور في القرآن، ولا نكاحه هو النكاح (1) المذكور في القرآن، وقد فَطَرَ الله سبحانه قلوبَ الناس على أن هذا ليس بنكاح، ولا المحلِّل زوج، وأن هذا منكر قبيح، يُعَيَّر به المرأة والزوج والمحلِّل والولي، فكيف يدخل هذا في النكاح الذي شرعه الله ورسوله، وأحبّه وأخبر أنه سنته، ومن رغب عنه فليس منه؟ وتأمل قوله تعالى:
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230]
؛ أي: فإن طلقها هذا الثاني فلا جناح عليها وعلى الأول أن يتراجعا، أي: ترجع إليه بعقدٍ جديد، فأتى بحرف «إن» الدالة على أنه يمكنه أن يطلق وأن يُقيم. والتحليل الذي يفعله هؤلاء لا يتمكّن الزوج فيه من الأمرين، بل يشترطون عليه أنه متى وَطئها فهي طالق، ثم لما علموا أنه قد لا يُخبِر بوطئها، ولا يُقبلُ قولها في وقوع الطلاق، انتقلوا إلى أن جعلوا الشرط إخبار المرأة بأنه دخل بها، فبمجرّد إخبارها بذلك تطلَّق عليه.