إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان

إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان

1636 1

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (6)]

تحقيق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد

راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - جديع بن جديع الجديع

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الخامسة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 65

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

مشاركة

فهرس الموضوعات

مقدمة

 التحقيق اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، اللهم أهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك. أما بعدُ؛ فإن تحريرَ مسائل العلم وتنقيحَها من المطالب الكبار التي لا ينهض بها إلا من رسخت في العلم قدمُه، وطالت له مصاحبتُه، مستبطنًا لدخائله، مستقرئًا لدقائقه، مستخرجًا لمخبَّآته، غائصًا على أسراره. ولا يُسابِق فيها إلا ضليعٌ، طابَ بالدليلِ مشربُه، وزكا بالاتباع غَرسه، وكان له من رُوحه المؤمنة مَعِينٌ لا يَنْضب، ومن نفسه التوَّاقة رِفْدٌ لا ينتهي. نعم، ولا تَهْتزّ لها إلا نفوسٌ عَشِقَت العلم، وأنِفَتْ من مَعرَّة الجهل، وسئمت تِيْهَ الحَيْرهَ، وغصَّت بمرارة الخطأ، وتَسامَتْ عن هَوان التبعية لغير الحق، ولم تَرْضَ بدلًا ببَرْدِ اليقين، وعِزِّ الثقة، ولذَّة الإصابة، وراحةِ التوفيق، وطمأنينة النَّجاح. وهذه الرسالة التي بين يديك ثمرةٌ يانعةٌ من ثمار التحرير والتنقيح، أنضجَها صدقُ الطَّلب وصحةُ العزم، وروَّاها طولُ التأمُّل وحُسْنُ التأتِّي، ورَعَاها لزومُ الجادَّةِ وسلامةُ المنهج. وهي لأحد أولئك الأفراد الذين ازدانت بهم سماءُ العلم، وأشرقت بضيائهم شمسُ التحقيق، وكان له في هذا الباب مقامُ صِدْقٍ

الصفحة

3/ 29

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله الحكيم الكريم، العليِّ العظيم، السميع العليم، الرَّءوفِ الرحيم، الذي أَسْبَغ على عباده النِّعمة، وكتب على نفسه الرحْمة، وَضَمَّنَ الكتابَ الذي كَتَبه أن رحمته تَغْلِبُ غضبه، فهو أرحم بعباده من الوالدةِ بولدها، كما هو أشدُّ فرحًا بتوبة التائب مِنَ الفاقدِ لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المَهْلكة إذا وجدها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأرحمُ الراحمين، الذي تَعَرَّفَ إلى خلقه بصفاته وأسمائه، وتَحَجَّبَ إليهم بإحسانه وآلائه. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي خَتَم به النبيين، وأرسله رحمةً للعالمين، وبَعَثه بالحنيفيَّة السَّمحة والدين المُهَيْمِن على كُلِّ دين، فَوَضَع به الآصارَ والأغلالَ، وأغنى بشريعته على طُرقِ المكر والاحتيال، وفَتَح لمن اعتصم بها طريقًا واضحًا ومنهجًا، وجعل لمن تمسَّك بها من كلِّ ما ضاق عليه فرجًا ومخرجًا. فعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السَّعَةُ والرحمة، وعند غيره الشِّدة والنقمة، فما جاءه مكروبٌ إلا وَجَد عنده تفريجَ كربَتِه، ولا لهفان إلا وجد عنده إغاثة لَهْفته، فما فَرَّق بين زوجين إلا عن وَطَرٍ واختيار، ولا شتَّتَ شَمْلَ مُحبَّيْنِ إلا على إرادةٍ منهما وإيثار، ولم يُخَرِّبْ ديار المُحِبِّيْنِ بِغَلَطِ اللسان، ولم يُفَرِّقْ بينهم بما جرى عليه من غير قصدِ الإنسان، بل رفع المؤاخذةَ بالكلام الذي لم يَقْصِدْه المتكلِّم بل جرى على لسانه بحكم

الصفحة

3/ 65

مرحباً بك !
مرحبا بك !