
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (6)]
تحقيق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - جديع بن جديع الجديع
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الخامسة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 65
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
"ويقع ممن أفاق من نحو جنونٍ وإغماءٍ فذكر أنه طلَّق، وممن غضب، خلافًا لابن القيم". فتعقبه شارحه الرحيباني بما ينفي إطلاق ابن القيم للقول بعدم وقوع طلاق الغضبان (1). وممن أجمل مذهب ابن القيم كذلك -دون أن يسميه-: الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 301)، ونسبه إلى بعض متأخري الحنابلة. ومن قبله الحافظ ابن رجب في
"جامع العلوم والحكم" (1/ 278).
* ومن المعالم البارزة في منهج ابن القيم في تحرير مباحث رسالته هذه: 1 - عنايتُه البالغة بتحرير موضع الخلاف، وتحديدُ مقصودِه وقولِه بوضوح. كما تقدم شرحه. 2 - احتفالُه بنصوص الوحي, تفقُّهًا، وتدبُّرًا, واستنباطًا. فَنزَعَ منها -نَزْعَ عبقريٍّ- دلائلَ وشواهد، لم أرها عند غيره، لما ذهب إليه في مسألة طلاق الغضبان. 3 - سَعَةُ دائرة اطلاعه على مذاهب العلماء وأقوالهم ومصنفاتهم، فضمَّن رسالته منع أقوال المتقدمين والمتأخرين من مختلف علماء المذاهب شيئًا كثيرًا، نصًّا وإشارةً، وقفتُ على بعضها بعد لأيٍ،
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله الحكيم الكريم، العليِّ العظيم، السميع العليم، الرَّءوفِ الرحيم، الذي أَسْبَغ على عباده النِّعمة، وكتب على نفسه الرحْمة، وَضَمَّنَ الكتابَ الذي كَتَبه أن رحمته تَغْلِبُ غضبه، فهو أرحم بعباده من الوالدةِ بولدها، كما هو أشدُّ فرحًا بتوبة التائب مِنَ الفاقدِ لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المَهْلكة إذا وجدها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأرحمُ الراحمين، الذي تَعَرَّفَ إلى خلقه بصفاته وأسمائه، وتَحَجَّبَ إليهم بإحسانه وآلائه. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي خَتَم به النبيين، وأرسله رحمةً للعالمين، وبَعَثه بالحنيفيَّة السَّمحة والدين المُهَيْمِن على كُلِّ دين، فَوَضَع به الآصارَ والأغلالَ، وأغنى بشريعته على طُرقِ المكر والاحتيال، وفَتَح لمن اعتصم بها طريقًا واضحًا ومنهجًا، وجعل لمن تمسَّك بها من كلِّ ما ضاق عليه فرجًا ومخرجًا. فعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السَّعَةُ والرحمة، وعند غيره الشِّدة والنقمة، فما جاءه مكروبٌ إلا وَجَد عنده تفريجَ كربَتِه، ولا لهفان إلا وجد عنده إغاثة لَهْفته، فما فَرَّق بين زوجين إلا عن وَطَرٍ واختيار، ولا شتَّتَ شَمْلَ مُحبَّيْنِ إلا على إرادةٍ منهما وإيثار، ولم يُخَرِّبْ ديار المُحِبِّيْنِ بِغَلَطِ اللسان، ولم يُفَرِّقْ بينهم بما جرى عليه من غير قصدِ الإنسان، بل رفع المؤاخذةَ بالكلام الذي لم يَقْصِدْه المتكلِّم بل جرى على لسانه بحكم