
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (6)]
تحقيق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - جديع بن جديع الجديع
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الخامسة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 65
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موضوع الرسالة، ومنهج المصنف فيها أما موضوعُها، فهو -في الأصل-: حكمُ طلاق الغضبان، هل يقع أم لا؟. واختار المصنف عدم الوقوع بشرطه الآتي. وقد أشار -وهو بسبيل الاحتجاج لقوله في هذه الرسالة- إلى مسائل أخرى في الطلاق وغيره، مستشهدًا، ومفرِّقًا، ومقارنًا. ولما كان الإجمالُ والإيهامُ من مواردِ الغلط، ومظانِّ الالتباس والوهم، وكان التفصيل والتبيينُ من معالمِ طريقة المصنف في تناول مسائل العلم في عامة تصانيفه = حرص - في مواطن مختلفة من هذه الرسالة - على تحرير موضع النِّزاع، وتحديدِ مراده بالغضبان الذي يختار عدم وقوع طلاقه، وأبدأ في ذلك وأعاد. أما تحريرهُ لموضع النِّزاع؛ ففي تفصيله لأقسام الغضب، وما يلزم على كل قسمٍ من نفوذ الطلاق والعقود، وبيانِه أن القسمين الأولَيْنِ مما لا يتوجَّه فيه الخلاف، وإنما الشأن في القسم الثالث (1). وأما تحديدُه للغضبان الذي يذهب إلى عدم وقوع طلاقه، فقد قام على أمرين: الأول: النظر إلى قصدِ القلب للطلاق، وعدمِه. قال: "لا كلام في الغضبانِ العالمِ بما يقول، القاصدِ المختارِ لحكمه، دفعًا لمكروه البقاء مع الزوجة، وإنما الكلام في الذي اشتد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله الحكيم الكريم، العليِّ العظيم، السميع العليم، الرَّءوفِ الرحيم، الذي أَسْبَغ على عباده النِّعمة، وكتب على نفسه الرحْمة، وَضَمَّنَ الكتابَ الذي كَتَبه أن رحمته تَغْلِبُ غضبه، فهو أرحم بعباده من الوالدةِ بولدها، كما هو أشدُّ فرحًا بتوبة التائب مِنَ الفاقدِ لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المَهْلكة إذا وجدها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأرحمُ الراحمين، الذي تَعَرَّفَ إلى خلقه بصفاته وأسمائه، وتَحَجَّبَ إليهم بإحسانه وآلائه. وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي خَتَم به النبيين، وأرسله رحمةً للعالمين، وبَعَثه بالحنيفيَّة السَّمحة والدين المُهَيْمِن على كُلِّ دين، فَوَضَع به الآصارَ والأغلالَ، وأغنى بشريعته على طُرقِ المكر والاحتيال، وفَتَح لمن اعتصم بها طريقًا واضحًا ومنهجًا، وجعل لمن تمسَّك بها من كلِّ ما ضاق عليه فرجًا ومخرجًا. فعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السَّعَةُ والرحمة، وعند غيره الشِّدة والنقمة، فما جاءه مكروبٌ إلا وَجَد عنده تفريجَ كربَتِه، ولا لهفان إلا وجد عنده إغاثة لَهْفته، فما فَرَّق بين زوجين إلا عن وَطَرٍ واختيار، ولا شتَّتَ شَمْلَ مُحبَّيْنِ إلا على إرادةٍ منهما وإيثار، ولم يُخَرِّبْ ديار المُحِبِّيْنِ بِغَلَطِ اللسان، ولم يُفَرِّقْ بينهم بما جرى عليه من غير قصدِ الإنسان، بل رفع المؤاخذةَ بالكلام الذي لم يَقْصِدْه المتكلِّم بل جرى على لسانه بحكم