[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وهذه الملحوظة والتي قبلها ممَّا تعنَّى له ابنُ القيم - رحمه الله - وكان يستحسنه ويرتضيه وينوِّه به، وهو ممَّا يَزِينُه ولا يَشِينُه، ويُمدح به ولا يُعاب عليه، فإنَّه من جُود العلم وكَرَم العالم، يبذله متى رامَ نفع النَّاس وإفادتهم، ومن محاسن الملاقاة ما جاء عَرَضًا لا قصدًا، وابن القيم - رحمه الله - خبيرٌ بنوادر العلم وفوائت العلماء، باذِلٌ لقارئيه أطيبه وأنفعه، فهو - رحمه الله - كيفما كتب بَرَع، كالغَيْث أينما وقعَ نَفَع، فلا لوم إذنْ.
وإنَّما تصلح المؤاخذة لمن يَحْشُو الكتاب بما لا يفيد، ويسوِّد الصفحات بما ضَرُّه أقرب من نفعه وعلى أحسن أحواله لا نفع فيه ولا ضرر، فهذا ممجوجٌ ومطَّرحٌ، كحال بعض مؤلِّفي زماننا - أصلح اللهُ أقلامهم - ممن يُحبِّرون الصُّحُف بنَادِّ اللفظ، ومستوحش المعاني، فتقل فائدتها عند العامة وتُعدَمُ لدى الخاصة، وهذا مَتْنُ الكلام وقائمه فكيف بموقوذه ومتردِّيه! اللهم صَفْحًا.
وحاشا ابن القيم أن يكون استطراده كذلك، بل فيه من الفوائد والشوارد ما لو قرأته لتمنَّيتَ أن يكون كتابه كله على هذا المنوال لعظيم عائدتها، ولربما صَلُح بعضها لإفرادها بمصنَّف مستقِلٍّ لجودتها، وحسن بسطه فيها.
وخُذْ مثلًا على ذلك كلامه عن خَلْق الإنسان وتكوينه فإنَّه أبدع فيه إلى الغاية، وأشرف فيه على النهاية، وإنني لأَجزم - وأنا على ثِقَل قدمٍ - بأنَّ قارئه متى بدأه لن يملَّه، ويمضي في قراءته حتى يتمَّه، فإنَّ له لذَّةً ومتعةً تأخذ بالألباب، وهو في أثناء ذلك لن يخلو من تعجُّبٍ وفكرة، أو من حكمةٍ وعِبرةٍ، أو من موعظةٍ وذكرى، ونحو ذلك ممَّا يهذِّب
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ العالمين، وقيُّومُ السمواتِ والأرضين. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، المبعوثُ بالكتاب المبين، الفارق بين الغَيِّ والرَّشَادِ، والهُدَى والضلالِ، والشَّكِّ واليقينِ، صلَّى الله عليه وعلى آله الطَّيِّبِين الطَّاهِرين، صلاةً دائمةً بدوام السموات والأرضين.
وبعد:
فهذا كتابٌ صغير الحجم، كبير النفع، فيما وقع في القرآن العزيز من الأَيْمَانِ والأَقْسَام، والكلام عليها يَمِينًا (2)، وارتباطها بالمُقْسَمِ عليه، وذكر أجوبة القَسَم المذكورة [و] (3) المقدَّرة، وأسرار هذه الأقْسَام، فإنَّ لها شأنًا عظيمًا يعرفه الواقف عليه في هذا الكتاب، وسَمَّيتُه: "كتابَ التِّبْيانِ في أيْمَانِ القرآنِ".
واللهُ المسؤولُ أن ينفع به من قرأه وكتبه ونظر فيه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم (4)، سببًا لمغفرته.
فما كان فيه من صوابٍ فمِنَ الله فَضْلًا ومِنَّةً، وما كان فيه من خطأ فَمِنِّي ومن الشيطان (5)، والله ورسوله بريئان منه.