
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ما لا يعرفه أهلها، بل هو ممَّا اعتادوه في مجريات كلامهم بغضِّ النظر عمَّن أُلقي إليه القَسَم.
الثاني: أنَّ وجود القَسَم في القرآن من أبلغ الحجج وأوضحها على صدق النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصحة رسالته، إذ لو كان كاذبًا في هذه الأيمان لأصابه خراب الديار، وانقلاب الحال، وسوء المآل؛ على ما كانوا يعتقدونه في الأيمان الكاذبة، أمَا والأمرُ بعكس ذلك فإنَّ يمينه برَّةٌ، وكلامه صدقٌ، ورسالته حقٌّ.
الثالث: أنَّنا لا نسلِّم بانتفاء فائدته، بل الفائدة حاصلة حتمًا، وذلك أنَّ النَّاس ثلاثة أصناف: مؤمن، ومرتاب، وجاحد.
فأمَّا المؤمن فإنَّ توكيد الكلام بالقَسَم يزيده طمأنينةً واستيقانًا، وينزل الكلام من نفسه المنزل الأسنى.
وأمَّا المرتاب فإنَّ القَسَم يزيل ريبته، ويطرح الشكَّ الذي في نفسه، فلا يبقى عنده تردُّدٌ في ثبوت الخبر أو عدمه.
وأمَّا الجاحد فإنَّ القَسَم زيادةٌ في تحقيق البيِّنَة وإقامة الحجة عليه، فلا حُجَّة له بَعْدُ أن يقول: إنَّ ما سمعتُه كان خبرًا من جملة ما نسمعه من الأخبار التي تطرق مسامعنا على الدوام، ولم يؤكَّد لي هذا الخبر أو ذاك بيمينٍ أو قَسَمٍ أحترمُه وأعظِّمُه. فورود القَسَم دفعٌ لهذه الحُجَّة الداحضة.
الرابع: أنَّ ما ذُكر في الإشكال إنَّما يستقيم إذا حصرنا فائدة القَسَم فيما قالوه فقط؛ والأمر ليس كذلك، إذ قد يرد القَسَم ويراد به تعظيم المقسَم به أو المقسَم عليه لا غير كما ذهب إليه بعض أهل العلم منهم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ العالمين، وقيُّومُ السمواتِ والأرضين. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، المبعوثُ بالكتاب المبين، الفارق بين الغَيِّ والرَّشَادِ، والهُدَى والضلالِ، والشَّكِّ واليقينِ، صلَّى الله عليه وعلى آله الطَّيِّبِين الطَّاهِرين، صلاةً دائمةً بدوام السموات والأرضين.
وبعد:
فهذا كتابٌ صغير الحجم، كبير النفع، فيما وقع في القرآن العزيز من الأَيْمَانِ والأَقْسَام، والكلام عليها يَمِينًا (2)، وارتباطها بالمُقْسَمِ عليه، وذكر أجوبة القَسَم المذكورة [و] (3) المقدَّرة، وأسرار هذه الأقْسَام، فإنَّ لها شأنًا عظيمًا يعرفه الواقف عليه في هذا الكتاب، وسَمَّيتُه: "كتابَ التِّبْيانِ في أيْمَانِ القرآنِ".
واللهُ المسؤولُ أن ينفع به من قرأه وكتبه ونظر فيه، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم (4)، سببًا لمغفرته.
فما كان فيه من صوابٍ فمِنَ الله فَضْلًا ومِنَّةً، وما كان فيه من خطأ فَمِنِّي ومن الشيطان (5)، والله ورسوله بريئان منه.