
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
وذكر في هذه السورة ثمودَ دون غيرهم من الأُمَم المكذِّبة؛ قال شيخنا: "هذا - والله أعلم - من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإنَّه لم يكن في الأُمَم المكذِّبة أخفُّ ذنبًا وعذابًا منهم، إذ لم يُذْكَر عنهم من الذنوب ما ذُكِر عن عاد، ومدين، وقوم لوط، وغيرهم.
ولهذا لمَّا ذكرهم وعادًا قال: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) ... وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 15 - 17].
وكذلك إذا ذكرهم مع الأُمَم المكذِّبة لم يذْكُر عنهم ما يذْكُر عن أولئك من التجبُّر والتكبُّرِ، والأعمالِ السيئة، كاللِّوَاط، وبَخْسِ المكيال والميزان, والفسادِ في الأرض، كما في "سورة هود" و"الشعراء" وغيرهما.
فكان في قوم لوط - مع الشرك - إتيان الفواحش التي لم يُسْبَقُوا إليها.
وفي عاد - مع الشرك - التجبُّرُ, والتكبُّرُ، والتوسُّعُ في الدنيا، وشدَّةُ البَطْش، وقولُهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}.
وفي أصحاب مدين - مع الشرك - الظلمُ في الأموال.
وفي قوم فرعون الفسادُ في الأرض، والعلُوُّ.
وكان عذابُ كلِّ أُمَّةٍ بحسب ذنوبهم وجرائمهم؛ فعذَّبَ عادًا بالرِّيح الشديدة العَاتِيَةِ، التي لا يقوم لها شيءٌ.