
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تميَّزَتِ الحروفُ بعضُها عن (1) بعضٍ، ثُمَّ أَلْهَمَ العبدَ تركيبَ تلك الحروف ليؤدِّي بها عن "القلب" ما يأمر به.
فتأمَّلْ هذه الحكمةَ الباهِرَةَ؛ حيث لم يُضِعْ - سبحانه - ذلك النَّفَسَ المُسْتَغْنَى عنه (2) المُحْتَاجَ إلى دَفْعه وإخراجه، بل جَعَلَ فيه - إذا استُغْنِي عنه - منفعةً ومصلحةً هي من أكمل المنافع والمصالح. فإنَّ المقصود الأصليَّ من النَّفَس هو إيصالُ (3) النَّسِيمِ البارِدِ إلى "القلب". فأمَّا إخراجُ النَّفَس فهو جارٍ مَجْرَى دَفْع الفَضْلَةِ الفاسدةِ، فصَرَفَ ذلك - سبحانه - إلى رعايةٍ تُصْلِحُهُ، ومنفعةٍ أخرى، فجعله سببًا للأصوات والحروف والكلام.
ثُمَّ إنَّه - سبحانه - جعل "الحَنَاجِر" مختلفة الأشكال في الضِّيقِ، والسَّعَة، والخُشُونة، والمَلَاسَة؛ لتختلف الأصواتُ باختلافها، فلا يتشابه صوتان، كما لا تتشابه صورتان.
وهذا من أظهر الأدلَّة؛ فإنَّ هذا الاختلاف - الذي بين الصُّوَر والأصوات على كثرتها وتعدُّدها، فَقَلَّما يشتبه صوتان أو صورتان - ليس في الطبيعة ما (4) يقتضيه، وإنَّما هو صُنْعُ الله الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ، وأحسن كلَّ شيءٍ خَلَقه، فتبارك الله ربُّ العالمين، وأحسن الخالقين. فميَّزَ - سبحانه - بين الأشخاص بما يُدْرِكُه السَّمع والبصر.