
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن ذلك قوله تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)} [الذاريات: 1 - 4]، أقْسَم بـ "الذَّاريات" وهي: الرِّياح؛ تَذْرُو المطرَ، وتَذْرُو الترابَ، وتَذْرُو النَّباتَ إذا تَهَشَّم، كما قال تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45]؛ أي: تفرِّقُه وتَنْشُرُه.
ثُمَّ أقسَمَ (1) بما فوقها وهي: السَّحَاب الحاملات وِقْرًا، أي: ثِقْلًا من الماء، وهي رَوَايَا (2) الأرض، يسوقها الله - سبحانه - على مُتُون الرِّياح؛ كما في "جامع الترمذي" (3) من حديث الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ وأصحابُه إذ أتى عليهم سَحَابٌ، فقال نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تَدْرُون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا العَنَانُ، هذه رَوَايَا الأرض، يَسُوقُها اللَّهُ - تبارك وتعالى - إلى قومٍ لا يشكرونه، ولا يَدْعُونه".
ثُمَّ أقسَمَ - سبحانه - بما فوق ذلك، وهي "الجاريات يُسْرًا"؛ وهي: النُّجُوم التي من فوق الغَمَام، و"يُسْرًا" أي: مُسَخَّرةً مُذَلَّلةً مُنْقَادَةً.
وقال جماعة من المفسِّرين (4): إنَّها السُّفُن تجري مُيَسَّرَةً في الماء