
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (١٤)]
المحقق: عبد الله بن سالم البطاطي
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، ١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: ٦٥٣
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فعلَهم، وانبِغاءَهُ (1) منهم، وقدرتهم عليه.
وكُلُّ من له أدنى خبرةٍ بأحوال الشياطين والمجانين والمُتَّهمين، وأحوال الرُّسُل؛ يعلَمُ علمًا لا يُمَاري فيه ولا يشُكُّ - بل علمًا ضروريًّا، كسائر الضروريَّات - منافَاةَ أحدهما للآخر، ومضادَّته له، كمنافاة أحد الضِّدَّين لصاحبه، بل ظهورُ المنافاة بين الأمرين للعقل أَبْيَنُ من ظهورُ المنافاة بين النُّور والظُّلْمة للبصر.
ولهذا وَبَّخَ - سبحانه - من كَفَر بعد ظهور هذا الفرق المبين بين دعوة الرُّسُل (2) ودعوة الشياطين (3)، فقال تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)}، قال أبو إسحاق: "المعنى: فأَيَّ طريقٍ تسلكون أَبْيَنَ من هذه الطريقة التي بَيَّنْتُ لكم؟ " (4).
قلت: هذا من أحسن الإلزام (5) وأَبْيَنِه، أن تُبَيِّنَ للسامع الحقَّ ثُمَّ تقول له: أَيْشٍ تقول خلاف هذا؟ وأين تذهب خلاف هذا؟! قال تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} [المرسلات: 50]، وقال تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} [الجاثية: 6]، فالأمر منحصِرٌ في الحقِّ والباطل، والهُدَى والضلال، فإذا عدلتم عن الهُدَى والحقِّ، فأين العدل، وأين المذهب؟!
ونظير هذا قوله سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي