
[آثارالإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33)]
تحقيق: حسين بن عكاشة بن رمضان
تخريج: حسين بن حسن باقر - كريم محمد عيد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - سعود بن عبد العزيز العريفي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الأولى (لدار ابن حزم)، 1442 هـ - 2020
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1143
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والتأويل يتجاذبه أصلانِ: التفسير والتحريف، فتأويل التفسير هو الحق، وتأويل التحريف هو الباطل. فالتأويل الباطل هو إلحادٌ وتحريفٌ، وإن سمَّاه أصحابُه تحقيقًا وعرفانًا وتأويلًا. الفصل السادس: في تعجيز المتأولين عن تحقيق الفرق بين ما يسوغ تأويلُه من آيات الصِّفات وأحاديثها وما لا يسوغ. حقيقة الأمر أن كل طائفةٍ تتأوَّل ما يخالف نِحْلتَها ومذهبَها، فالعيارُ على ما يُتأوَّل وما لا يُتأوَّل هو المذهبُ الذي ذهبتْ إليه والقواعد التي أصَّلَتْها، فما وافقها أقرُّوه ولم يتأوَّلوه، وما خالفها فإن أمكنهم دفعُه، وإلَّا تأوَّلوه. وكلٌّ مِن هؤلاء يتأول دليلًا سمعيًّا، ويُقِرُّ على ظاهره نظيرَه أو ما هو أشد قبولًا للتأويل منه؛ لأنه ليس عندهم في نفس الأمر ضابطٌ كُلي مطَّرِد منعكس، يُفرَّق به بين ما يُتأوَّل وما لا يُتأوَّل، إن هو إلَّا المذهب وقواعده وما قاله الشيوخ. وهؤلاء لا يمكن أحدًا منهم أن يحتج على مبطِلٍ بحُجةٍ سمعيةٍ؛ لأنه يسلك في تأويلها نظير ما سلكَه هو في تأويل ما خالف مذهبَه. الفصل السابع: في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأويلًا نظير ما فروا منه. هذا فصلٌ بديعٌ لمن تأمله، يعلم به أن المتأوِّلين لم يستفيدوا بتأويلهم إلَّا تعطيلَ حقائق النصوص والتلاعب بها وانتهاك حرمتها، وأنهم لم يتخلصوا ممَّا ظنُّوه محذورًا، بل هو لازمٌ لهم فيما فرُّوا إليه كلزومه فيما فرُّوا منه. بل قد يقعون فيما هو أعظمُ محذورًا، والمقصود أن المتأول يفر من أمرٍ، فيقع في نظيره.
بسم الله الرحمن الرحيم
ربِّ يسِّر بفضلك يا كريم، وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين (1).
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلَّا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، الموصوف بصفات الجلال، المنعوت بنعوت (2) الكمال، المُنزَّه عمَّا يضاد كماله مِن سلبِ حقائق أسمائه وصفاته، المستلزم لوصفه (3) بالنقائص وشبه (4) المخلوقين، فنفْيُ حقائق أسمائه وصفاته متضمِّنٌ للتعطيل والتشبيه، وإثباتُ حقائقها على وجه الكمال الذي لا يستحقه سواه هو حقيقة التوحيد والتنزيه، فالمُعطِّلُ جاحدٌ لكمال المعبود، والمُمثِّلُ مشبِّهٌ له بالعبيد، والمُوحِّدُ مُثبِتٌ (5) لحقائق أسمائه وكمال أوصافه، وذلك قُطب رَحَى التوحيد، فالمُعطِّل يعبد عدمًا، والمُمثِّل يعبد صنمًا، والمُوحِّد يعبد ربًّا ليس كمثله شيءٌ، له الأسماء الحُسنى والصِّفات العُلى، وسع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وحُجته على عباده، فهو رحمته المهداة إلى العالمين، ونعمته التي أتمَّها على أتباعه من المؤمنين، أرسله على حين فترةٍ من الرُّسل، ودروسٍ من الكتب،