[آثارالإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33)]
تحقيق: حسين بن عكاشة بن رمضان
تخريج: حسين بن حسن باقر - كريم محمد عيد
راجعه: محمد أجمل الإصلاحي - سعود بن عبد العزيز العريفي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الأولى (لدار ابن حزم)، 1442 هـ - 2020
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
عدد الصفحات: 1143
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (33) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق حسين بن عكاشة بن رمضان تخريج حسين بن حسن باقر - كريم محمد عيد وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
بصوته لأصحابه: هَلُمُّوا، فهذه والله الطريق، وهذه أعلام مكة والمدينة، وهذه آثار القوم لم تنسخها الرياحُ، ولم تُزِلْها الأهوية. ثم قال (1):
وَكُنْتُ وَصَحْبِي فِي ظَلَامٍ مِنَ الدُّجَى ... نَسِيرُ عَلى غَيْرِ الطَّرِيقِ وَلَا نَدْرِي
/وَكُنَّا حَيَارَى فِي الْقِفَارِ وَلَمْ يَكُنْ ... دَلِيلٌ لَنَا نَرْجُو الْخَلَاصَ مِنَ الْقَفْرِ
ظِمَاءً إِلَى وِرْدٍ يَبُلُّ غَلِيلَنَا ... وَقَدْ قَطَعَ الْأَعْنَاقَ مِنَّا لَظَى الْحَرِّ
فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَبَدَّى لِنَاظِرِي ... سَنَا بَارِقٍ يَبْدُو كَخَيْطٍ مِنَ الْفَجْرِ
فَقُلْتُ لِصَحْبِي هَلْ تَرَوْنَ الَّذِي أَرَى ... فَقَالُوا اتَّئِدْ ذَاكَ السَّرَابُ الَّذِي يَجْرِي
فَخَلَّفْتُهُمْ خَلْفِي وَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ ... فَأَوْرَدَنِي عَيْنَ الْحَيَاةِ لَدَى الْبَحْرِ
فَنَادَيْتُ أَصْحَابِي فَمَا سَمِعُوا النِّدَا ... وَلَوْ سَمِعُوهُ مَا اسْتَجَابُوا إِلَى الْحَشْر
فهذا اعتراف هؤلاء الفضلاء في آخر سَيْرِهم بما أفادتهم الأدلة العقلية من ضد اليقين، ومن الحَيْرة والشكِّ؛ فمَن الذي شكا من القرآن والسُّنَّة والأدلة اللفظية هذه الشكاية، ومَن الذي ذَكَرَ أنها حيَّرَتْه ولم تَهْدِه؟ أوَلَيس بها هدى الله أنبياءه ورُسلَه وخيرَ خَلْقه؟ قال تعالى لأكمل خَلْقه وأوفرهم عقلًا: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اِهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّيَ} [سبأ: 50]. فهذا أكمل الخَلْق عقلًا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يُخبِر أن اهتداءه بالأدلة اللفظية التي أوحاها الله إليه، وهؤلاء المتهوِّكون المتحيِّرون يقولون: إنها لا تُفيد يقينًا ولا عِلْمًا ولا هُدًى. وهذا موضع المَثَل المشهور: «رمتني بدائها وانسلَّتْ» (2).