[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (2)]
راجعه: حاتم بن عارف الشريف - يحيى بن عبد الله الثمالي
آثَارُ الإِمَامِ ابْنِ قَيّم الجَوْزِيَّةَ وَمَا لَحِقَهَا مِنْ أَعْمَالٍ (2)
الوَابِلُ الصَّيِّبُ وَرَافِعُ الكَلِمِ الطَّيِّبِ
تَأليف الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر بْنِ أَيُّوب ابْنِ قَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ (691 هـ - 751 هـ)
تَحْقِيق عَبْد الرّحْمَنِ بْن حَسَن بْن قَائِد
إِشْرَاف بَكْر بْن عَبْدِ اللهِ أَبُو زَيْد
دَارُ عَطَاءَاتِ العِلْم - دار ابن حزم
فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله، وبينه وبينه حجاب، لم يكن إقبالًا ولا تقريبًا، فما الظن بالخالق عزَّ وجلَّ؟! وإذا أقبل على الخالق عز وجل، وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس، والنفسُ مشغوفةٌ بها، مَلأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالًا وقد أَلْهَتْهُ الوساوس والأفكار، وذهبت به كلَّ مَذْهب؟! والعبدُ إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظم مقام، وأقربِه، وأغيظِه للشيطان، وأشدِّه عليه، فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يَعِدُه ويُمَنِّيه ويُنْسِيه، ويجلب عليه بخيله ورَجِلِه حتى (1) يُهوِّن عليه شأن الصلاة، فيتهاون بها، فيتركها.
فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويَحُول بينه وبين قلبه، فيذكِّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة (2) ، وأَيِس منها، فَيُذَكِّره إياها في الصلاة؛ ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله عز وجلّ، فيقوم فيها بلا قلب؛ فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبلُ على ربه عز وجل، الحاضرُ بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها، بخطاياه وذنوبه وأثقاله، لم تَخِفَّ عنه بالصلاة.