قال ابنُ قتيبة (1) : كلُّ شيءٍ يَلْهَثُ فإنَّما يَلْهَثُ من إعياءٍ أو عطش؛ إلَّا الكلب؛ فإنه يلهثُ في حال الكلال وحال الراحة، وحال الرِّيِّ وحال العطش، فضربهُ الله مثلًا لهذا الكافر، فقال: إن وعظتَهُ فهو ضالٌّ، وإن تركتهُ فهو ضالٌّ؛ كالكلب؛ إن طردْتَهُ لَهَثَ، وإنْ تركتَهُ على حالِهِ لهَثَ.
وهذا التمثيلُ لم يَقَعْ بكلِّ كلبٍ، وإنَّما وقع بالكلبِ اللاهثِ، وذلك أخسُّ ما يكون وأشنعُهُ.
فصل
فهذا حالُ العالم المُؤثِر الدُّنيا على الآخرة.
وأما العابد الجاهلُ فآفتُهُ من إعراضه عن العلم وأحكامه وغلبة خياله وذوقه ووَجْدِه وما تهواه نفسه.
ولهذا قال سفيان بن عُيينة وغيره: احذروا فتنةَ العالم الفاجر وفتنةَ العابد الجاهل؛ فإنَّ فتنتهما فتنةٌ لكلِّ مفتونٍ.
فهذا بجهله يَصُدُّ عن العلم وموجبه، وذاك بغيِّه يدعو إلى الفُجور.
وقد ضرب الله سبحانه مثل النوع الآخر بقوله:
{كَمَثَلِ الشَّيطَانِ إِذْ قَال لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَينِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)} [الحشر: 16 - 17].
وقصتُهُ معروفةٌ (2) ، فإنه بنى أساسَ أمرِه على عبادة الله بجهلٍ،