
أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ويؤيِّد ذلك: أن وقوع قصتين مثل هذه لأعميين، كلٌّ منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها الناس= بعيدٌ في العادة.
وعلى هذا التقدير فالمقتولة (1) يهوديةٌ كما جاء مفسرًا في تلك الرواية. ويمكن أن تكونا قصتين كما يدل عليه ظاهر الحديثين.
فإن قيل: يجوز أن تكون هذه المرأة من أهل الحرب ليست من أهل الذمة، وحينئذ لا يدل على قتل الذمي المعاهَد وانتقاض عهده بالسب.
قيل: هذا ظنَّه بعضُ الناس الذين ليس لهم بالسنة كثير علمٍ. وهو غلطٌ لأن هذه المرأة كانت من اليهود، وكانت (2) موادِعةً مهادِنةً، لأن (3) النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وادع جميع اليهود الذين كانوا بها موادعةً مطلقةً، ولم يضرب عليهم جزيةً، وهذا مشهورٌ عند [أهل] العلم بمنزلة التواتر بينهم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى (4): لم أعلم مخالفًا من أهل العلم بالسير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا نزل المدينة وادع يهود كافةً على غير جزيةٍ.
وهو كما قال الشافعي رحمه الله تعالى، وذلك أن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصنافٍ من اليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة. وكان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج، وكانت قريظة حلفاء الأوس. فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -