أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الصحيحة من أنَّهم يُولَدون على الملة، وأنَّ الله خلقهم حنفاء، بل هو مؤيِّدٌ لها.
وأمَّا قوله: إنَّهم في ذلك الإقرار انقسموا إلى طائعٍ وكافرٍ، فهذا لم يُنقَل عن أحد من السلف فيما أعلم إلا عن السُّدِّي في «تفسيره» (1): لمَّا أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يهبطه من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى، فأخرج منه ذريةً بيضاء مثلَ اللؤلؤ كهيئة الذَّرِّ، فقال لهم: ادخلوا الجنة برحمتي، ومسح [صفحة] (2) ظهره اليسرى، فأخرج منه ذريةً سوداء كهيئة الذرِّ، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي، وذلك قوله: {وَأَصْحَابُ اُلْيَمِينِ} [الواقعة: 28]، {وَأَصْحَابُ اُلشِّمَالِ} [الواقعة: 43]. ثم أخذ منهم الميثاق، فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، فأعطاه طائفةٌ طائعين، وطائفةٌ كارهين على وجه التقيَّة، فقال هو والملائكة: {شَهِدْنَا أَن يَقُولُوا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ}، فليس أحدٌ من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنَّه ربُّه، وذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 82]، وكذلك قوله: {قُلْ فَلِلَّهِ اِلْحُجَّةُ اُلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 150]، يعني يومَ أخذ الميثاق.
قال شيخنا (3): فهذا الأثر إن كان حقًّا ففيه أنَّ كلَّ ولدِ آدمَ يعرف الله،