أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
إن شئتم: {فِطْرَتَ اَللَّهِ اِلَّتِي فَطَرَ اَلنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِللَّهِ} [الروم: 29]، قال إسحاق: يقول: لا تبديل للخِلقة التي جبل عليها؛ فهذه الآية فيها قولان:
أحدهما: أن معناها النهي، أي: لا تُبدِّلوا دين الله الذي فطر عليه عباده. وهذا قول غير واحد من المفسرين لم يذكروا غيره كالثعلبي والزمخشري (1)، واختيار ابن جرير (2).
والثاني: ما قاله إسحاق: أنَّها خبرٌ على ظاهرها، وأنَّ خلق الله لا يبدِّله أحدٌ، وهذا أصحُّ.
وحينئذ فيقال: المراد ما خلقهم عليه من الفطرة لا يُبدَّل (3)، فلا يُخلَقون على غير الفطرة، لا يقع هذا قط. والمعنى: أن الخلق لا يتبدَّل، فيُخلقوا على غير الفطرة. ولم يُرِد بذلك أنَّ الفطرة لا تتغيَّر بعد الخلق، بل نفس الحديث يبيِّن أنَّها تتغيَّر، ولهذا شبَّهها بالبهيمة التي تُولَد جمعاء ثم تُجدَع، ولا تُولَد قط بهيمةٌ مخصيَّةً ولا مجدوعةً، وقد قال تعالى عن الشيطان: {وَلَأمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اَللَّهِ} [النساء: 118]، فالله تعالى أَقدَرَ الخلقَ على أن يغيِّروا ما خلقهم عليه بقدرته ومشيئته.
وأمَّا تبديل الخلق بأن يُخلَقوا على غير تلك الفطرة، فهذا لا يقدر عليه