أحكام أهل الذمة - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 518
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
للأصحاب فيه منعًا، ولعلَّهم نظروا إلى الجنس، ومن الكلام الشائع: ركوب الحمار ذُلٌّ وركوب الخيل عِزٌّ. انتهى.
وقد قال الشافعي (1): ولا يركبوا أصلًا فرسًا، وإنما يركبون البغال والحمير.
قال أصحابه: فيُمنع أهل الذمة من ركوب الفرس، لأن في ركوبها الفضيلة العظيمة والعِزَّ، وهي مراكب المجاهدين في سبيل الله الذين يَحمُون حَوزَة الإسلام ويَذُبُّون عن دين الله.
قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اَسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ اِلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اَللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 61]، فجعل رِبَاط الخيل لأجل إرهاب الكفار، فلا يجوز أن يمكَّنوا من ركوبها، لأن فيه إرهابَ المسلمين.
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الخَيلُ معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجرُ والمَغْنَم» (2). وأهل الجهاد هم أهل الخيل والخير لاستعمالهم الخيل في الجهاد، فهم أحقُّ بركوب ما عُقِد الخيرُ بنواصيها من المراكب.
وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ الخيل كانت وحشًا في البراري وأوَّلُ مَن أنَّسها وركبها إسماعيل بن إبراهيم (3)، فهي من مراكب بني إسماعيل، وبها أقاموا دين الحنيفية، وعليها قاتل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أعداء الله،