أحكام أهل الذمة - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 586
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
العالي على كل شيء وفوق كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء، والمحيط بكل شيء، وعطاؤه ومنعُه سلامٌ أن يقع في غير موقعه، ومغفرتُه سلامٌ أن يبالي بها أو تضيق بذنوب (1) عباده أو تصدر عن عجزٍ عن أخذِ حقِّه كما تكون مغفرة الناس. ورحمتُه وإحسانه ورأفته وبرُّه وجوده وموالاته لأوليائه وتحببُه إليهم وحَنانه عليهم وذكره لهم وصلاته عليهم= سلامٌ أن تكون لحاجةٍ منه إليهم أو تعزُّزٍ بهم أو تكثُّرٍ بهم. وبالجملة فهو السلام من كل ما ينافي كمالَه (2) المقدس بوجهٍ من الوجوه.
وأخطأ كلَّ الخطأ من زعم أنه من أسماء السلوب، فإن السلب المحض لا يتضمن كمالًا، بل اسم السلام متضمنٌ للكمال السالم من كل ما يضادُّه، وإذا لم تَظلم هذا الاسمَ ووفَّيتَه (3) معناه وجدتَه مستلزمًا لإرسال الرسل، وإنزالِ الكتب، وشَرْعِ الشرائع، وثبوتِ المعاد، وحدوث العالم، وثبوتِ القضاء والقدر، وعلوِّ الرب تعالى على خلقه ورؤيته لأفعالهم وسَمْعِه لأصواتهم واطلاعِه على سرائرهم وعلانياتهم، وتفرُّدِه بتدبيرهم، وتوحُّدِه في كماله المقدس عن شريكٍ بوجهٍ من الوجوه. فهو السلام الحق من كل وجهٍ، كما هو النزيه البريء عن نقائص البشر من كل وجهٍ.
ولما كان سبحانه موصوفًا بأن له يدينِ لم يكن فيهما شمالٌ، بل كلتا يديه