
أحكام أهل الذمة - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (34)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1442 هـ - 2021 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 586
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله تعالى) دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
ويفارق الأخرى (1). ولو كانت أنكحتهم فاسدةً لم يأمر بالإمساك في النكاح الفاسد، ولا رتَّب عليه شيئًا من أحكام النكاح. ولم ينصَّ أحدٌ من أئمة الإسلام على بطلان أنكحة الكفار، ولا يمكن أحدًا أن يقول ذلك.
وإنما اختلف الناس في مسألتين: إحداهما: في الكافر يطلِّق امرأته ثلاثًا، هل يصح طلاقه أم لا؟ الثانية: في المسلم يطلِّق الذمية ثلاثًا، فتنكح ذميًّا، ثم يفارقها الثاني، فهل تحلُّ للأول؟ فأما المسألة الأولى: وهي وقوع الطلاق، فلا يخلو إما أن يعتقد الكافر نفوذ الطلاق أو لا يعتقده (2)، فإن اعتقده نفذَ طلاقُه، ولم يكن الإسلام شرطًا في نفوذه. هذا مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه. وقال مالك: الإسلام شرطٌ (3) في وقوع الطلاق.
واحتج الجمهور بأن أنكحتهم صحيحةٌ كما تقدم، فإذا صح النكاح نفذ فيه الطلاق، فإنه حكمٌ من أحكام النكاح، فترتب عليه كسائر أحكامه، من التوارث والحلّ وثبوت النسب وتحريم المصاهرة وسائر أحكامه، وقد قال تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ اَلنِّسَا} [النساء: 22] فسماه نكاحًا وأثبت به تحريم المصاهرة، وكان الظهار يعدُّه أهل الجاهلية طلاقًا،