[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15)]
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751)
المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 549
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فزاد ابن القيم على ما ذكره الغزالي فوائد عديدة، وتفريعات كثيرة، واستنباطات مهمة، وفوائد ونكات لم يتطرق إليها الغزالي، وأضاف أمثلة وتوضيحات ليكون لقارئه عُدّة في طريقه وسيره إلى اللَّه والدار الآخرة.
فكان هذا الكتاب المهم "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" وهو بحجمه يقارب أربعة أضعاف ما كتبه الغزالي.
ولا تستطل أيها القارئ هذا المبحث فإنه من أكثر المباحث فائدة وجدة، إذ إن أكثر طلاب العلم لا يعلمون هذه الحقيقة.
ونسبة للفضل إلى أهله، فالذي نبهني على استفادة ابن القيم من كتاب الغزالي هو فضيلة شيخي الدكتور محمد بن حسين الجيزاني، جزاه اللَّه خيرًا وأجزل له المثوبة.
المبحث الثاني عشر: مختصراته والبحوث المستلة منه:
إن الإمام ابن القيم لسعة علمه وكثرة اطلاعه وشمول معرفته وكثرة ما عنده من الفوائد كانت له سِمة عامة في مؤلفاته هي الاستطراد والتوسع وكثرة الأدلة والوجوه ونحوها، كما قال في وصفه الحافظ ابن حجر: "وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف، وهو طويل النفس فيها يتعانى الإيضاح جهده، فيسهب جدًّا" (1).
لذا فإن من السهل أن يجد من يريد اختصار كتاب ما من كتبه مُسوّغًا له بسبب ذلك. أضف إلى ذلك أهمية كتبه وكثرة فائدتهًا.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربّ يسّر وأعن
الحمدُ للَّه الصَّبورِ الشَّكورِ العليّ الكبير السميع البصير العليم القدير، الذي شملت قدرتُه كلَّ مقدور، وجَرت مشيئتُه في خلقه بتصاريفِ الأمور، وأَسمعت دعوتُه لليوم الموعود أصحابَ القبورِ، قَدَّرَ مقاديرَ الخلائقِ وآجالَهم، وكتب آثارَهم وأعمالهم، وَقسَّم بينهم معايشَهم وأموالَهم، وخَلَق (1) الموتَ والحياةَ لِيَبلُوَهم أيُّهم أحسنُ عملًا وهوَ العزيزُ الغفورُ، القاهرُ القادرُ، فكلُّ عسيرٍ عليه يَسير، والمولى النَّاصِرُ، فَنِعمَ المولى ونعمَ النَّصيرُ.
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [1] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [2] خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [3] يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن: 1 - 4].
وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّه وحدَه لا شريكَ له، إله جلَّ عن الشَّبيه والنظير، وتعالى عن الشَّريكِ والظَّهيرِ، وتقدَّسَ عن تعطيل الملحدين، كما تنزّه عن شَبَهِ المخلوقين، فـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير [11]} (2) [الشورى: 11].