
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15)]
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751)
المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 549
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المحمود هو: الصبر النفساني الاختياري عن إجابة داعي الهوى. . . "، فكأنَّ القارئ يعرف أن هناك صبرًا ممدوحًا وآخر مذمومًا، ولم يسبق ذكر ذلك قبلُ، بل سيأتي ذكر هذا التقسيم بعد ذلك في الباب العاشر. وكأنَّ القارئ عنده سابق علم أن هناك صبرًا نفسانيًّا يقابله الصبر البدني، وهو ما سيذكره المصنف بعد ذلك في الباب الخامس. وكأن القارئ يعلم أن هناك صبرًا اختياريًّا يقابله صبرٌ اضطراري، وهو ما سيذكره ابن القيم بعد ذلك في أبواب متفرقة: الباب الخامس والباب التاسع والباب الثالث عشر. بينما نرى الغزالي مهّد لذلك في هذا الموضع بأن ذكر هذه التقسيمات، وانطلق منها لبيان مراده، فكان ترتيبُ الغزالي أوجه وأكثر دقةً من ترتيب ابن القيم. واللَّه تعالى أعلم. * في الباب الرابع الذي عنوانه: "في الفرق بين الصّبر والتّصبّر والاصطبار والمصابرة". وقد سبقه الغزالي إلى بيان الفرق بين الصبر والتصبر في كتابه (4/ 59)، وما ذكره ابن القيم يتفق مع ما ذكره الغزالي من الفرق بينهما. * وفي الباب الخامس وهو: "في أقسامه باعتبار محله". ذكر ابن القيم فيه أن الصبر ضربان: بدني ونفساني، وأن كلًّا منهما نوعان: اختياري واضطراري. وقد أشار إلى ذلك الغزالي في كتابه (4/ 57، 60، 61).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربّ يسّر وأعن
الحمدُ للَّه الصَّبورِ الشَّكورِ العليّ الكبير السميع البصير العليم القدير، الذي شملت قدرتُه كلَّ مقدور، وجَرت مشيئتُه في خلقه بتصاريفِ الأمور، وأَسمعت دعوتُه لليوم الموعود أصحابَ القبورِ، قَدَّرَ مقاديرَ الخلائقِ وآجالَهم، وكتب آثارَهم وأعمالهم، وَقسَّم بينهم معايشَهم وأموالَهم، وخَلَق (1) الموتَ والحياةَ لِيَبلُوَهم أيُّهم أحسنُ عملًا وهوَ العزيزُ الغفورُ، القاهرُ القادرُ، فكلُّ عسيرٍ عليه يَسير، والمولى النَّاصِرُ، فَنِعمَ المولى ونعمَ النَّصيرُ.
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [1] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [2] خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [3] يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن: 1 - 4].
وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّه وحدَه لا شريكَ له، إله جلَّ عن الشَّبيه والنظير، وتعالى عن الشَّريكِ والظَّهيرِ، وتقدَّسَ عن تعطيل الملحدين، كما تنزّه عن شَبَهِ المخلوقين، فـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير [11]} (2) [الشورى: 11].