[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15)]
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 - 751)
المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - محمد أجمل الإصلاحي - علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 549
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (15) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ) تحقيق إسماعيل بن غازي مرحبا إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
وذكر ابن أبي الدنيا: أن الحسن كتب إلى عمر بن عبد العزيز: "أما بعد: فإن الدنيا دارُ ظعن ليست بدار إقامة، وإنما نزل آدم إليها عقوبة، فاحذرها يا أمير المؤمنين، فإن الزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها. لها في كل حين قتيل، تذل من أعزّها، وتفقر من جمعها. وهي كالسمّ أكلَه من لا يعرفه [ليشفيه] (1) وهو حتفه، فكن فيها كالمداوي جراحاته يحتمي قليلًا مخافة (2) ما يكره طويلًا، ويصبر على شدّة الدواء مخافة طول البلاء. فاحذر هذه الدار الغرّارة الختّالة الخدّاعة التي قد تزيّنت بخدعها وفتنت بغرورها، وختلت بآمالها، وتشوّفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلوّة، فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة. فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بالأول (3) مزدجر، والعارف باللَّه تعالى حين أخبره عنها مدكر. فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغترّ وطغى، ونسي المعاد، فشغل فيها لبّه، حتى زلّت عنها قدمه، فعظمت ندامته، وكبرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت وألمه، وحسرات الفوت ونغصه، فذهب منها بكمده ولم يدرك ما طلب، ولم يرح نفسه من التعب، فخرج بغير زاد، وقدم على غير مهاد، فاحذرها يا أمير المؤمنين. وأسرّ ما تكون فيها أَحْذَر ما تكون لها، فإن صاحب الدنيا