
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 485
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
هذا إذا كان رجوعه لمخالفة دليل شرعي. فإن كان رجوعه لمجرَّد ما بان له أن ما أفتى به (1) خلافُ مذهبه لم يحرُم على المستفتي ما أفتاه به أولًا، إلا أن تكون المسألة إجماعية. فلو تزوَّج بفتواه ودخل، ثم رجع المفتي، لم يحرُم عليه إمساك امرأته إلا بدليل شرعي يقتضي تحريمها. ولا يجب عليه مفارقتها بمجرَّد رجوعه، ولا سيَّما إن كان إنما رجع لكونه تبيَّن له أن ما أفتى به خلافُ مذهبه، وإن وافق مذهب غيره. هذا هو الصواب.
وأطلق بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي وجوبَ مفارقتها عليه، وحكوا في ذلك وجهين، ورجَّحوا وجوب المفارقة. قالوا: لأن المرجوع عنه ليس مذهبًا له، كما لو تغيَّر اجتهادُ من قلَّده في القبلة في أثناء الصلاة، فإنه يتحوَّل مع الإمام في الأصح (2).
فيقال لهم: المستفتي قد دخل بامرأته دخولًا صحيحًا سائغًا، ولم يقُمْ ما يوجب مفارقته لها من نصٍّ ولا إجماع، فلا يجب عليه مفارقتها بمجرَّد تغيُّر اجتهاد المفتي. وقد رجع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن القول بالتشريك، وأفتى بخلافه، ولم يأخذ المال من الذين شرَّك بينهم أولًا (3).
وأما قياسكم ذلك على من تغيَّر اجتهاده في معرفة القبلة، فهو حجة عليكم؛ فإنه لا يبطل ما فعله المأموم بالاجتهاد الأول، ويلزمه التحوُّل ثانيًا لأنه مأمور بمتابعة الإمام. بل نظير مسألتنا: ما لو تغيَّر اجتهاده بعد الفراغ من الصلاة، فإنه لا تلزمه الإعادة، ويصلِّي الثانية بالاجتهاد الثاني.