
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 485
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فلما طال الزمان بهذا الدواء المركَّب الأعظم، وسلَّط الناس التأويل على أدويته، وغيَّروها وبدَّلوها= عرض منه للناس أمراض شتَّى، حتى فسدت [217/ب] المنفعة المقصودة بذلك الدواء المركب في حقِّ أكثر الناس. وهذه هي حالة الفرق الحادثة في هذه الشريعة (1) مع الشريعة، وذلك أن كلَّ فرقة منهم تأولت غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه هو الذي قصده صاحبُ الشرع، حتى تمزَّق الشرعُ كلَّ ممزَّق، وبعد جدًّا عن موضوعه (2) الأول.
ولما علم صاحبُ الشرع صلوات الله وسلامه عليه أن مثل هذا يعرض ــ ولا بدَّ ــ في شريعته قال: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة» (3)، يعني بالواحدة: التي سلكت ظاهر الشرع، ولم تؤوِّله.
وأنت إذا تأمَّلتَ ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبيَّنتَ أن هذا المثال صحيح.
وأول من غيَّر هذا الدواء الأعظم هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية، ثم الصوفية. ثم جاء أبو حامد، فطمَّ الوادي على القَريِّ (4).