
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 638
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقال الفضل (1) بن زياد: سألت أحمد عن الرجل يعارض في كلامه يسألني عن الشيء أكره أن أُخبره به، قال: إذا لم يكن يمينًا فلا بأس، في المعاريض مندوحةٌ عن الكذب.
وهذا عند الحاجة إلى الجواب، فأما الابتداء فالمنع فيه (2) ظاهر، كما دلّ عليه (3) حديث أم كلثوم أنه لم يرخّص فيما يقول الناس إنه كذِبٌ إلا في ثلاث (4)، وكلها مما يحتاج إليه المتكلم. وبكلِّ حالٍ فغاية هذا القسم تجهيل السامع بأن يُوقِعه المتكلم في اعتقاد ما لم يُرِده بكلامه، وهذا التجهيل قد تكون مصلحته أرجح من مفسدته، وقد تكون مفسدته أرجح من مصلحته، وقد يتعارض الأمران، ولا ريب أن من كان علمه بالشيء يحمله على ما يكرهه الله ورسوله كان تجهيله به وكتمانه عنه أصلح له وللمتكلم، وكذلك إن كان في علمه مضرَّةٌ على القائل، أو تفوت عليه مصلحة هي أرجح من مصلحة البيان، فله أن يكتمه عن السامع؛ فإن أبى إلا استنطاقه فله أن يعرِّض له.
فالمقصود بالمعاريض فعلُ واجبٍ أو مستحبٍّ أو مباحٍ أباح الشارع السعي في حصوله، ونصبَ له سببًا يُفضِي إليه؛ فلا يقاس بهذا الحيل التي تتضمن سقوطَ ما أوجبه الشارع وتحليلَ ما حرَّمه، فأين أحد البابين من