أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ومن تأمَّل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته فتولَّد منه ما هو أكبرُ منه؛ فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دارَ إسلامٍ عزم على تغيير البيت وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك ــ مع قدرته عليه ــ خشيةُ وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال [2/أ] قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهدٍ بكفر، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتّب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء.
فإنكار المنكر أربع درجات: الأولى: أن يزول ويخلُفه ضدُّه.
الثانية: أن يقلَّ وإن (1) لم يَزُلْ بجملته.
الثالثة: أن يخلُفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلُفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأُوليان (2) مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة. فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتَهم منه إلى ما هو أحبُّ إلى الله وإلى رسوله، كرمي النُّشَّاب وسِباق الخيل ونحو ذلك، وإذا رأيت الفسّاق