أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بعضًا أربابًا من دون الله. فلو اتفقت كلمتهم على ذلك، وانقاد كلٌّ منهم لمن دعاه إلى الله ورسوله، وتحاكموا كلُّهم إلى السنة وآثار الصحابة= لقلَّ الاختلاف وإن لم يُعدَم من الأرض؛ ولهذا تجد أقلَّ الناس اختلافًا أهل السنة والحديث؛ فليس على وجه الأرض طائفة أكثر اتفاقًا وأقلّ اختلافًا منهم لما بَنَوا على هذا الأصل، وكلما كانت الفرقةُ عن الحديث أبعدَ كان اختلافهم في أنفسهم أشدَّ وأكثر، فإن من ردَّ الحق مرِجَ عليه أمرُه واختلطَ عليه، والتبس عليه وجه الصواب، فلم يدرِ أين يذهب، كما قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5].
الوجه الحادي والخمسون: قولكم: إن عمر كتب إلى شُريح: «أن اقضِ بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبما في سنة (1) رسول الله، فإن لم يكن في سنة رسول الله فبما [33/أ] قضى به الصالحون» (2)، فهذا من أظهر الحجج عليكم على بطلان التقليد؛ فإنه أمره أن يقدِّم الحكم بالكتاب على كل (3) ما سواه، فإن لم يجده في الكتاب ووجده في السنة لم يلتفت إلى غيرها، فإن لم يجده في السنة قضى بما قضى به الصحابة.
ونحن نناشد الله فرقة التقليد: هل هم كذلك أو قريبًا من ذلك؟ وهل إذا نزلت بهم نازلةٌ حدَّث أحد منهم نفسَه أن يأخذ حكمها من كتاب الله ثم ينفِّذه، فإن لم يجدها في كتاب الله أخذها من سنة رسول الله، فإن لم يجدها