
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ترتَّبت عليها الأحكام لكان في ذلك أعظم حرجٍ ومشقّةٍ على الأمة، ورحمة الله سبحانه وحكمته تأبى ذلك. والغلط والسهو والنسيان وسبْقُ اللسان بما لا يريده العبد بل يريد خلافه والتكلُّم به مُكرَهًا وغيرَ عارفٍ لمقتضاه من لوازم البشرية، لا يكاد ينفكُّ الإنسان من شيء منه؛ فلو رُتِّب عليه الحكم لحَرِجت الأمة وأصابها غايةُ العَنَت والمشقة؛ فرفع عنها المؤاخذة بذلك كلّه، حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسُّكْر كما تقدمت شواهده، وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى وسبق اللسان بما لم يُرِده والتكلُّم في الإغلاق ولغو اليمين؛ فهذه عشرة أشياء لا يؤاخذ الله عبده بالتكلم في حال منها؛ لعدم قصده وعَقْدِ قلبه الذي يؤاخذ به.
أما الخطأ من شدة الفرح فكما في الحديث الصحيح حديث فرح الربّ بتوبة عبده، وقول الرجل: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك»، أخطأ من شدة الفرح (1).
وأما الخطأ من شدة الغضب فكما في قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]، قال السلف: هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله حالَ الغضب، لو أجابه الله لأهلكَ الداعي ومن دعا عليه، فقضي إليه أجله، وقد قال جماعة من الأئمة: الإغلاق الذي منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من وقوع الطلاق والعتاق فيه هو الغضب (2). وهذا كما قالوه؛ فإن للغضب سُكرًا كسكرِ الخمر أو أشدّ.