أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: 23 - 24]، [3/ب] وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ (1) مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لقمان: 21] وهذا في القرآن كثير، يَذمُّ فيه من أعرضَ عما أنزله وقنعَ بتقليد الآباء.
فإن قيل: إنما ذَمّ من قلّد الكفّار وآباءه الذين لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون، ولم يَذمَّ من قلَّد العلماءَ المهتدين، بل قد أمر بسؤال أهل الذكر، وهم (2) أهل العلم، وذلك تقليدٌ لهم، فقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وهذا أمرٌ لمن لا يعلم بتقليد من يعلم.
فالجواب أنه سبحانه ذمَّ من أعرض عما أنزله إلى تقليد الآباء، وهذا القدر من التقليد هو مما اتفق (3) السلف والأئمة الأربعة على ذمّه وتحريمه، وأما تقليد من بذل جُهدَه في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فقلَّد فيه من هو أعلم منه فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور، كما سيأتي بيانه عند ذكر التقليد الواجب والسائغ (4) إن شاء الله.
وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، والتقليد ليس بعلمٍ باتفاق أهل العلم كما سيأتي. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا