
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مال الآخر ضائعًا، وكل منهما فساد محض، والمصلحة في خلافه ظاهرة. والمؤمنون يرون قبيحًا أن يذهب عملُ هذا ضائعًا ومال هذا ضائعًا، ويرون من أحسن الحسن أن يَسلَم مال هذا وينجح سعي هذا، والله الموفق.
المثال الحادي والسبعون: ردُّ السنة الثابتة الصريحة المحكمة في صحة (1) ضمان دَين الميت الذي لم يُخلِّف وفاء، كما في «الصحيحين» عن أبي قتادة قال: [129/أ] أُتِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجنازة ليصلّي عليها، فقال: «أعليه دين؟» فقالوا: نعم، ديناران، فقال: «أتركَ لهما وفاءً؟» قالوا: لا، قال: «صلُّوا على صاحبكم»، فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله، فصلَّى عليه (2).
فردّت هذه السنة برأي لا يقاومها، وهو أن الميت قد خَرِبتْ ذمته؛ فلا يصح ضمان شيء خراب في محل خراب، بخلاف الحي القادر فإن ذمته بصدد العمارة، فصحَّ ضمان دينه وإن لم يكن له (3) وفاء في الحال، وأما إذا خلَّف وفاء فإنه يصح الضمان تنزيلًا لذمته بما خلَّفه من الوفاء منزلةَ الحي القادر. قالوا: وأما الحديث فإنما هو إخبار عن ضمان متقدم على الموت؛ فهو إخبار منه بالتزام سابق، لا إنشاء للالتزام حينئذٍ.